بقلم السيِّدة، كاثْلِين نِيلْسون
أيها الآباء -والأمهات، علينا أنْ نُصلِّي، دعونا نبدأ بالشكر. يُمكننا أن نشكر الله بصوتٍ عالٍ في المنزل وفي الكنيسة على أبنائنا. دعونا أن نبدأ في فعل ذلك الآن وألاَّ نتوقف أبدًا، “هيَّا لنقفُ مُسبِّحين الله بشكرٍ خلال سنوات أبوتنا”.
لقد حَصَلَ الآباء على هديّة مُذهلة. نتصرَّف أحيانًا وكأننا نُقَرِّر كسب هذه الهديّة بأنفسنا، بدلاً من الحصول عليها من صانعنا. لأننا ننسى كلمات الجامعة “كَمَا أَنَّكَ لَسْتَ تَعْلَمُ مَا هِيَ طَرِيقُ الرِّيحِ، وَلاَ كَيْفَ الْعِظَامُ فِي بَطْنِ الْحُبْلَى، كَذلِكَ لاَ تَعْلَمُ أَعْمَالَ اللهِ الَّذِي يَصْنَعُ الْجَمِيعَ” (جامعة 5:11).
أولًا وقبل كلّ شيء، دعونا أنْ نشكر الله الخالق على خَلقهِ لحياة بشريّة جديدة. يُودّ الكثيرون الحصول على هذه الهديّة. إذا كُنت قد فقدتها أو إنْ كُنت تَتوق إليها، فأنت تعلم جيِّدًا ما سأتحدَّث عنه. حيث يشكوا العديد من الآباء حولنا بصوتٍ عالٍ عن مشكلة التعامل مع هذه الهديّة -كما لو كان هذا هو الشيء الأول أو الرئيسيّ الذي يجب قوله.
أنا كأُمٍ فَقدتُ أبنين واحدًا تلو الآخر عمرهم في الرحم كان أربعة أشهر في حَمْلين مُختلفتين. أكتب ذلك لأن الكثير منكم يا قُرَّائي الأعزاء سيعرفون معنى هذا الحزن، بل وأكثر من ذلك. إنه حزن يغسل عينيك ويضع كلّ شيء آخر في نصابه.
رُبما يكون الأبناء هم أعظم هديّة أرضيّة، تعكس أعظم هديّة أبديّة: وهي الحياة الجديدة في المسيح. ما هم الأبناء؟ الأبناء هم “مِيرَاثٌ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ” (مزمور 3:127)، أعطاهم الله لنا لنعرفه وننقل كنوز اسمه المبارك، جيلًا تلو الآخر. دعونا نملأ صلواتنا من البداية للنهاية، بالشكر على هذه الهديّة، التي ينسجها الله بيده ومن ثم بعنايته الإلهيّة يُعطيها لنا.
أَبَانَا
أيها الآباء -والأمهات، علينا أنْ نُصلِّي لأَبَانَا. كم هو رائع أن نُفكِّر في أن الآباء المسيحيِّين (مَعَّ عائلة المؤمنين) يمكنهم أن يكونوا دائمًا في تواصل معَّ الله أَبَانَا بالصلاة، الذي أظهر لنا محبَّته في ابنه -والذي يمنحنا روحه القدّوس لمساعدتنا على الصلاة، حسب كلمته.
عندما تم تشخيص إصابة أحد أبنائنا بعدم انتظام في دقّات قلبه، اتصلت أنا وزوجي على الفور بصديقٍ، وهو طبيب قلب لأطفال. رد علينا دون تأخير، وأخبرنا بما نحتاج لمعرفته. أنه امتياز عظيم بأن يكون لدينا حريّة كاملة للتواصل معَّ هذا الطبيب الصديق.
في المسيح، نحن المؤمنون نتمتع بحريّة وبإذن كامل مفتوح وأبدي إلى أَبَانَا السماويّ، الذي يفهم كلّ شيء عن الأبوّة -فالمسيح في الواقع يتيح لنا من خلال الأبوّة البشريّة أن نرى لمحة من قلب أبيه الُمحب بل وحتّى يجعلنا نتشارك معه في هذه المحبّة. يا له من كرمٍ مُذهل. يا لها من نعمةٍ رائعة.
كلمة الله
أيها الآباء -والأمهات، علينا أنْ نُصلِّي بحسب الكلمة. لا يتعيَّن علينا معرفة معنى الأبوة بأنفسنا. بل لدينا كلمات مُتنفّس بها -أي موحى بها من أَبَانَا، الذي أختبر وعرف كلّ شيء عن الفرح الكامل في محبّة ابنه، وكذا عن معنى الألم العميق الُمتمثِّل في انفصاله عن ابنه، وعن يقين الحياة الأبدية معَّ ابنه وعائلته “نحن” مُجتمعين معًّا. هذا الآب يعطينا القصة بأكملها في كلمته، كلمته التي يُمكنها أن تملأ صلوتنا.
دعونا أنْ نُصلِّي لله كي نتكلَّم ونعيش الكتاب الُمقدَّس أمام أبنائنا، في خروجنا ودخولنا. دعونا أنْ نُصلِّي لكي ينقاد أولادنا وكذا أولاد الكنيسة بالروح القدس، ليفتح قلوبهم على كلمته وعلى معرفة هذا الآب، من خلال ابنه الكلمة الذي صَارَ جَسَدًا.
يطلب العديد من الآباء صغيري السن النصيحة بخصوص وقت العبادة العائليّة. ويسألون تحديدًا عن أفكار خلّاقة وجديدة لهاذا الوقت. عندما أنظر إلى الوراء على أبنائنا الثلاثة الذين كبروا، أعتقد أنه ربما كان بإمكاننا أن نكون أكثر إبداعًا -كما كان من الممكن أن يكون والديّ بالتأكيد. لكنني مُمتنّة للأساسيات الهامة والصحيحة لكلِّ الأجيال: اقرأوا كلمة الله بانتظامٍ كعائلة. اقرأوها بصوتٍ عالٍ، وتحدّثوا عنها قليلاً معًّا، وتأكدوا من صلاتها.
إذَا كنّا نؤمن حقًا بأن الكتاب الُمقدَّس هو كَلِمَةَ اللهِ الحَيَّة وَالفَعَّالَة -والحادة بما يكفي لاختراق القلوب، وكذا لإخبار الحق دائمًا، ولتُغيِّر الحياة- فلا بد أن تكون إحدى صلواتنا الأكثر إلحاحًا أن ننقل هذه الكلمة بأمانة إلى أبنائنا.
جسد المسيح
أيها الآباء -والأمهات، علينا أنْ نُصلِّي معَّ جسد المسيح. لم يَقصد الله لنا بأن نُربّي أبنائنا بمعزل عن الكنيسة. إن أعضاء جماعة الكنيسة مدعوون لمساعدة بعضهم البعض على تربيّة الأجيال القادمة لمعرفة الربّ وخدمته؛ غالبًا ما نقف ونَتعهَّد بالقيام بذلك. وهذا العهد يشمل الصلاة بنشاط من أجل أبناء بعضنا البعض، من مرحلة الطفولة إلى الشباب وصولاً لمرحلة البلوغ، ولكننا معّ الأسف كثيرًا ما ننسى هذا.
عندما أفكِّر في سنوات المراهقة المبكرِّة لأبنائنا الثلاثة، فإن الصورة التي تتبادر إلى ذهني، هي تلك الأجساد المُعقَدَة المتزايدة، الُمحاطة بأجساد أكبر للآخرين في الكنيسة: مثلاً قادة الشباب والمعلِّمين؛ وكذا الشباب الأتقياء الذين لعبوا معهم كرة القدم وكرة السلة؛ والآباء الآخرون الذين أخذوا وقتًا للتحدُّث معهم، والذين أخبرونا بانتظام أنهم كانوا يصلّون من أجلهم. لذا في سنوات المراهقة، نحتاج لاستدعاء القوَّات. وبالتأكيد الجيش هو الكنيسة.
لقد تَحدَّثت مؤخرًا مع العديد من الآباء الذين يُصلّون بجديّة من أجل خلاص أبنائهم الناضجين، هؤلاء الأبناء الذين إمّا لم يعلنوا إيمانهم مُطلقًا أو ابتعدوا عن الإيمان مع تقدمهم في السن. إنَّ الصلاة من أجل الأبناء الناضجين، والتي غالبًا ما تكون غير مرئيّة في التجمُّعات الكنسيّة، هي عمل محبّة عظيم يُمكننا مشاركته مع الوالدين في الصلاة من أجل أبنائهم. وما طرحته يعني أننا كعائلة كنسيّة واحدة، كجسدٍ واحدٍ، يجب أن نسأل على أبناء بعضنا البعض ونُصلِّي من أجلهم، ونستمر في فعل ذلك.
قلوب مُمتدة نحو الجميع
أيها الآباء -والأمهات، علينا أنْ نُصلِّي بقلوب مُمتدة نحو الجميع. بالحديث عن الآباء الذين يَتُوقون ويصلّون من أجل خلاص أبنائهم الناضجين، فقد لاحظت شيئًا بخصوص الكثير منهم. فهم غالبًا ما يمتكون قلوب إنجيليّة كرازية بشكلٍ عام -ليس لأجل أبنائهم فقط. لقد أدركوا أهمية رسالة الإنجيل في هذه الأيام الأخيرة، فقد ابتدأوا أولاً من منازلهم ولكن بعد ذلك انتشروا على نطاق بعيد وواسع. إنهم يُصلّون ليس فقط من أجل أبنائهم ولكن من أجل أبناء الآخرين أيضًا. لجيرانهم. من أجل العمل الُمرسليّ في المناطق القريبة وفي جميع أنحاء العالم.
إذا كانت الكنيسة تفعل ما ينبغي عليها فعله، فإن خيوط الصلاة المتقاطعة لجميع الأبناء في عائلة الله سَتُكِّون شبكة قويّة وجميلة. يعيش أحد أبنائنا وزوجته وابنته في إندونيسيا. أعرف، وأحب أن أعرف، أن المسيحيِّين في جسد المسيح هناك يهتمون بهم ويحمونهم من خلال الصلاة لأجلهم، الصلاة لأجل تفاصيل حياتهم اليوميَّة التي لا أعرفها أنا. في كنيستنا هنا في الولايات المتحدة، لدينا عائلات شابة بعيدة عن والديهم، أو بدون والدين، أو مُتغرِّبين عنهم -وعلينا أن نَحملهم هم وأبنائهم في الصلاة بانتظام.
الصلاة من أجل أبنائنا قد تبدو، في البداية، نشاطًا خاصًا ومعزولًا. لكنها في الواقع نشاط يُركِّز على الخارج، مُمتد نحو الجميع، حيث نقوم به معًّا في عائلة الله التي تنموا بشكلٍ متزايد في جميع أنحاء العالم.
فَرحٌ
أيها الآباء -والأمهات، علينا أنْ نُصلِّي بفرحٍ. لا أقصد أننا لن نتعب في كثير من الأحيان في صلوات الرثاء والنحيب، صلوات الألم من أجل معاناة أبنائنا، صلوات الحزن على أمورهم. ولكن كلَّما استمعنا أكثر إلى صلوات الكتاب الُمقدَّس، كلما عرفنا أكثر أنها ترتكِز على الشُكر، إنها صلوات مليئة بالفرح الذي لا يمكن لأي شيء أن يسلبه، وبالتأكيد تصل إلى الربّ على الدوام.
هُويتنا كآباء ليست هُويتنا الأبديَّة. نحن المؤمنين نعيش كأبناء الله، من خلال الخلاص الُمقدَّم لنا في ابنه. وهذا ما نُصلِّي من أجله لجميع إخوتنا البشر، بمن فيهم أبنائنا: أن ينضموا إلى العائلة التي خُلقنا من أجلها، يخدمون الأب الذي يُحبَّنا بالكامل. ففرحة التواجد في تلك العائلة هي الفرحة القصوى. سيتلاشى الحزن. فرح الربّ، أو الفرح في الربّ يدوم إلى الأبد.
أكتبُ إليكم الآن بصفتي والدةً لثلاثة أبناء متزوجين وثمانية أحفاد في طريقهم للتاسع. هناك الكثير الذي يجب أن نُصلِّي من أجله، ونحن نُحدِّق النظر في الأجيال القادمة ونرى طرقهم الكثيرة يوميًا، ندرك إنهم بحاجة إلى صلاتنا أكثر بكثير مما يحتاجون إلى كلماتنا.
في النهاية، هم بحاجة إلى الربّ، وعلينا أن نطلقهم له، بفرحٍ بين يَديهِ الصالحة والقويّة. هم ليسوا لنا. لقد خَلقهم الله نفسه. هو المسؤول عنهم، وهو يعرف كيف يدير أسرته على أكملِ وجهِ. يُمكننا أن نثق بأبينا السماويّ بالكامل.
ابتهجوا بالربّ أيها الآباء العارفون شخصه الكريم. علينا أنْ نُسلِّم أبنائنا بين يَديهِ، في كلّ مراحل عمرهم. علينا أنْ نُصلِّي بفرحٍ.