بقلم السيِّدة، مِيجَان هِيل
“هل غسلت أسنانك اليوم؟”، “لا تنسَ ترتيب غرفتك وفراشك”، “ضع حذائك خارج باب الشقة!” تتكرَّر بعض نغمات الوالدين المحفوظة باستمرار في تربيتهم لأبنائهم. مثلاً، “هل غسلت أسنانك اليوم؟” أقولها يوميًا مرتين لأولادي الأربعة. “ولا تنسَ الأعمال المنزليّة” هي نغمة صباح كل سبت. أمّا عن “لا تدخل بحذائك داخل الشقة” فلا أستطيع أن أعُدَّها، لأنها النغمة الأكثر تكرارًا. وأضيف إلى هذه النغمات “هل قرأت كتابك المقدس؟”، “لا تنسَ العبادة العائليّة الساعة 7:30” هذه النغمات تُقال يوميًا تقريبًا.
أنت لست مضطرًا للبقاء طويلاً في منزلي لتسمعني و”أنا أُكرِّر ما قلته مسبقًا”، بل ستعرف ذلك في غضونِ وقتٍ قصير، لأنني أم لأربعة أبناء.
بالنسبة لي، كان هذا الأمر من أصعب الأمور فيما يتعلّق بتربيّة الأبناء. فإذا سألتني قبل أن أُنجب أولادًا، بالتأكيد لكنت أخبرتك أنه من المحتمل أن “أُكرِّر ما قلته مسبقًا” عدَّة مرّات معَّ طفل يبلغ من العمر عامين فقط، لكنني لم أتخيل أبدًا أنني بعد خمسة عشر عامًا ما زلت أُذكِّر أولادي بتمشيط شعرهم!
بَعد خبرةٍ كبيرةٍ في تربيّة الأطفال، كشفت التربيّة لي بشكلٍ صارخٍ عن أنني مُعرَّضة لإغراء “نفاذ الصبر”. فمعَّ مرور يومي الروتيني، تَعْلوا نبرات صوتي في تكرار الُجمَل المحفوظة التي أقولها لأبنائي. حيث يلتوي فمي معَّ تكرار نفس الكلمات مرارًا وتكرارًا. وكذا يقف شعري بسبب العصبيّة لإهانة الشخص الثالث على التوالي، لأنه كأخوته يُريد أن يعرف: “ماذا سيأكل على العشاء؟”
أنظمة أفضل أمْ قلب أفضل؟
ربما يمكنني تنفيذ أنظمة أكثر كفاءة في منزلي لتقليل عدد المرّات التي يجب أن أقول فيها نفس الشيء. فأنا متأكدة من أن هناك خبيرًا ما على “الإنستجرام” في مكانٍ ما، يُمكنه أن يبيع لي سبورة لطيفة معَّ قائمة مراجعة يوميّة، تضمن لي حفظ أنفاسي كأُمٍّ.
لكن أطفالي ليسوا مُنتجًا في مصنعٍ ما، فأنا متأكِّدة بأنني لا أريد الاستعانة بمصادر خارجية لتكرار الحقائق المهمة مثل: “أنا أحبك”، “وأنظر إلى يسوع”، “وهل قرأت كتابك المقدس؟” لأنّ هُناك بعض الأشياء فقط يجب أن تُقَال.
والأهم من ذلك، حتّى بعض الأنظمة والُمخطَّطات المثاليّة للعائلة لن تُغيِّر توجُّه قلبي بعيدًا عن “نفاذ الصبر”. حتّى إذا حَللتُ مُشكلة تَذْكير الأطفال بتعليق مَعَاطِفهم في أماكنها المخصّصة، أنا متأكِّدة من أنني سأنتقل إلى الشعور بالانزعاج بسبب حاجتهم للمساعدة في مادة الرياضيّات أو في القواعد النحويّة أثناء وقت الواجب المنزليّ. كذا سأشعر بالإحباط بسبب التحدُّث معهم عن خطوات حلّ النزاع بينهم مرّة أخرى. وقد أغتاظ من حقيقة أنهم يستمرّون في التفكير بأن الخلاص شيء يجب أن يحصلوا عليه من خلال كونهم صالحين -بغض النظر عن عدد المرّات التي أخبرتهم فيها على أن الحصول على الخلاص هو العمل الكامل للنعمة وحدها.
لا يُمكنني إسكات حقيقة أن مشكلتي في “تكرار ما قلته مسبقًا” هي مشكلة في قلبي.
بولس، الوالد الصبور
ينفذ صبري سريعًا في تربيتي لأولادي، لكن أظهر لي الرسول بولس طريقة أفضل جدًا. ففي منتصف رسالته إلى كنيسة أهل فِيلِبِّي، يقول: “لا تُزعِجُني الكِتابةُ إلَيكُم بالأشياءِ نَفسِها، ففي تكرارِها سلامَةٌ لكُم” (فيلبي 1:3) [بحسب الترجمة المشتركة][1].
عرف بولس كل شيء عن أهميّة تكرار ما قاله بالفعل. فبينما كان يسافر في جميع أنحاء العالم المعروف في وقته، ويكرز بالعِظات، ويزرع الكنائس، ويكتب الرسائل، قال رسالة الإنجيل وأعاد قولها مرارًا وتكرارًا. في الحقيقة لا يُمكننا على الأرض معرفة عدد المرات التي أعلن فيها بولس عن “يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوبًا” (1 كورنثوس 2:2) فقط سنعرف ذلك في السماء.
خصوصًا داخل الكنائس، كان على بولس أن يُراجع الدروس التي نسيتها الجَمَاعة أو تجاهلتها -خصوصًا تلك الدروس الهامة. حيث قد كرّر بولس أساسيات الإيمان المسيحيّ لأهل كورنثوس (1 كورنثوس 1:3-2). وأصدر لأهل غلاطيّة عدّة تحذيرات ضد الاستماع إلى المعلمين الكذبة (غلاطية 9:1). وكذا أَمَرَ أهل فيلبي بأن “يفرحوا” طوال الرسالة (مرّة في 18:2؛ ومرّة 1:3؛ ومرّتين 4:4).
تمتلئ رسائل بولس بأشياء سبق أن قالها مُسبقًا في رسائل أخرى بالفعل. لكن، على عكسي أنا، فهو لا يكرّر ما قاله وهو يُصِّر على أسنانه، كما أفعل.
إذن، ما الذي يمكن أن نتعلمه من مِثَال بولس الذي بدورهِ يمكنه أن يساعدنا في أن نصبح آباء وأُمّهات صبورين؟
مفاتيح الصبر
أولاً، يكتب بولس في (فيلبي 1:3) أن تكرار ما قاله مُسبقًا “لا يُزعِجه”. هذا مُثير للدهشة لأن نفاذ صبرنا غالبًا ما ينبع من حقيقة أن تكرار “ما قلناه مسبقًا” يبدو وكأنه مشكلة كبيرة ومُزعجة. إن تذكير أطفالي بانتظام بإعداد وجبات الغداء، وتنظيف أسنانهم، وأداء واجباتهم المدرسيّة، يبدو عادة وكأنه حملٌ ثقيلٌ، ليس حملٌ بسيطاً. لكن بولس يُوضِّح لنا أنه بدافع الحب للآخرين، لا ينبغي أن يكون التحلِّي بالصبر حملاً ثقيلاً علينا. كذا جاهد يعقوب سبع سنينٍ بصبرٍ من أجل راحيل، “وَكَانَتْ فِي عَيْنَيْهِ كَأَيَّامٍ قَلِيلَةٍ بِسَبَبِ مَحَبَّتِهِ لَهَا” (تكوين 20:29). وأيضًا اشتاق بولس إلى أهل فيلبي “بأَحْشَاءِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ” (فيلبي 8:1)، لذلك لم يزعجه أن يُكرِّر ما قاله مُسبقًا عدّة مرات أخرى. يجب أن نُقدِّر أطفالنا كثيرًا لدرجة أن قول نفس الأشياء مرارًا وتكرارًا لا يُصبح علينا حملاً ثقيلاً.
ثانيًا، يقول بولس أن نصيحته المتكرّرة “سلامَةٌ لُهم” (فيلبي 1:3). أدرك بولس أنه ببساطة يمكن أن يصنع خيرًا عظيمًا لأهل فيلبي بكونه صبورًا تجاههم. وبالمثل، فإن نصائحنا تجاه أطفالنا “بصبرٍ” يمكن أن تُشجِّع قلوبهم، وتزوِّدهم بالحق، وتحفِّزهم على الطاعة، وتوجِّههم إلى المسيح.
إن تذكير أطفالي بشكلٍ لطيف يوميًا بأن يكونوا لطفاءٍ، وأن يعملوا بجدٍّ، وأن ينظروا إلى المسيح ليس أمرٌ عرضيًا. عليَّ أن أُذكِّرهم لأنهم مثلي، عُرضَة للنسيان. عندما أقولها مرّة أخرى، فإنها ترعى وتقود أرواحهم إلى مكان السلامة الآمن.
يسوع، الوالد الصبور
في النهاية، فإن “التربيّة” الصابورة عند بولس كانت انعكاس لمِرْآة ربّنا يسوع المسيح، الذي تنبّأ عنه إشعياء قائلاً: “قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً خَامِدَةً لاَ يُطْفِئُ” (إشعياء 3:42). فإذا لم يكن الله معنا طَوِيل الأَنَاة، لَكُنّا قد فنينا وهلكنا بغضبه في الحال.
ولكن، كما هو الحال، فقد تحمَّلنا ربّنا بصبرٍ: فهو يغفر خطايانا، يُعطي روحه لنا، ويسمع صلواتنا، ويرشدنا في كلمته مرارًا وتكرارًا. لقد فعل يسوع هذه الأشياء كلّها وكأنها “لا تزعجه ولا تمُثِّل حمل ثقيل عليه” لأنّها سلامَةٌ لنا، نحن أطفاله المحبوبين.
وهكذا، وأنا في المسيح، يُمكنني بنعمة الروح القدس أن أطرح على أطفالي أسئلة منتظمة حول الأمور البسيطة التي ينبغي أن يفعلوها، وكذا أُذكِّرهم بشكلٍ مُنتظم ومُتكرِّر بالعبادة العائليّة. فإن قَول نفس الأشياء لأطفالي الأعزاء لا يُزعجني ولا يُمثِّل مشكلة بالنسبة لي، لأنّ فيه سلامَةٌ لهُم.
[1]. كِتَابَةُ هذِهِ الأُمُورِ إِلَيْكُمْ لَيْسَتْ عَلَيَّ ثَقِيلَةً، وَأَمَّا لَكُمْ فَهِيَ مُؤَمِّنَةٌ. (بحسب الفاندايك).