بقلم، جَاستِن ويتمِل إيرلي
أعيش معَّ عائلتي في منطقة واشنطن العاصمة بأمريكا. حيث تتحدَّنا تكلفة المعيشة، لذا تحدَّثنا عن الانتقال إلى منطقة ذات تكلفة معيشيّة أقلّ. نحن لا نُريد أن نكون أنانيين ولكننا نشعر أنه من الحكمة أن نعيش في منطقة ليست باهظة التكاليف لنتمكن من إعالة عائلتنا. كيف نُفكِّر في هذه المسألة بشكلٍ كتابيّ؟ كيف نثق في أن الله يعتني بنا بينما نتخِذ أيضًا قرارًا حكيمًا لعائلتنا؟
هل ينبغي أن ننتقل إلى منطقة أخرى من أجل مسألة التكلفة المعيشيّة الأقلّ؟ هل ينبغي أن يكون هذا السبب أساسيّ للانتقال؟
إن مَيْل الحياة الأمريكيّة هو أن تُصبح أكثر انشغالًا، وأكثر ثراءً من أن يكون لديك أصدقاء. لا أحد منا يُخطِّط ليكون على هذا النحو، ولكن ينتهي المطاف بمعظمنا بأن يُصبح هكذا، لأننا بشكلٍ تلقائي في قرارتنا العمليَّة نتّخِذ تلك القرارات التي تُركِّز على الأموال والوظائف، بدلاً من اتخاذ القرارات التي تُركِّز على الكنيسة والأصّدقاء المؤمنين.
لكن يجب على المسيحيِّين المؤمنين أن يعيشوا بثقافة راديكاليّة مُضادة لهذا المعيار المذكور. في حين أن الله قد يدعونا إلى أماكن مُتنوعة، وفي حالة غياب دعوة مُحدّدة من الله لمكان بعينه، يجب على المسيحيِّين أن يختاروا بشكلٍ تلقائي المكان الذي يُريدون أن يعيشوا فيه على أساس المجتمع المسيحيّ.
نحن مخلوقون من أجل الُمجتمع وحياة الشَرِكة (تكوين 27:1). لقد خُلِقنا على صورة الله الثالوث، مما يعني أن في حِمضنا النَّوَويّ الروحيّ نحن مُرتبطون بعضنا معَّ بعض.
من أكثر الأمور الُمذهلة في قصّة الخلق بسفر التكوين، هي أن آدم شعر بالوِحدة في حضور الله (تكوين 18:2). دعني أوضِّح لك هذه الحقيقة الغريبة بشكلٍ أكبر: نحن لا يُمكننا أن نتواصل بشكلٍ صحيح معَّ الله، إلاّ عندما نتواصل معَّه جانبًا إلى جنب معَّ الآخرين. كما قال “تِيم كِيلر”: “لا يمكننا الاستمتاع بالجنَّة بدون أصدقاء”.
جُغْرافيَّة الصّداقة المسيحيَّة
يُعد اختيار المكان الذي ستعيش به إحدى أهم قراراتك العلاقاتيّة. فمن المنظور الكتابيّ، لقد خُلقنا من أجل الصّداقة. لكن في الحياة المعاصرة، يُنظَر إلى العلاقات العميقة على أنها رفاهية وليست ضرورة. في حين أن الصّداقة المسيحيّة هي العلاقة الأكثر أهميّة ولكنها الأقلّ مُناقشة في الكنيسة، وفقًا للقس “كيفين دي يونغ”.
سينتقل الناس من أجل وظيفة أفضل، أو منزل أكبر، أو مساحة أكبر، أو لمزيد من الخصوصية، أو لسياجٍ أكبر، أو لكراجاتٍ أكبر، أو لمدارسٍ أفضل. هذه الأشياء ليست خاطئة في ذاتها، لكن لماذا ندعها لتكون مركز جاذبيتنا؟ يُحدِّد المكان الذي نعيش فيه الكثير عن حياتنا المشتركة مع الآخرين، أي يُحتِّم علينا أمور مشتركة معهم. إذَا كان معنى الوثن “هو جعل الشيء الجيِّد أهم شيء في الحياة”، فإننا في خطر حقيقي من عبادة الأوثان إذا اخترنا منازلنا على أساس الوظائف والمال في المقام الأول، بدلاً من أن نولي اهتمامنا للأمر الحقيقي والأهم وكذلك الأساسيّ وهو أن نختار منازلنا على أساس الصّداقة والمجتمع المسيحيّ. المنازل مُجرَّد أماكن للإقامة، هي حقًا ليست أهم شيء.
بالطبع، يجب أن نكون مُنتبهين لتوجيهات الربّ. فهو قد يدعوك للعمل الُمرسلي في أستراليا، أو للتدريس في مدينة غير معروفة في مكانٍ ما يبعُد ألف ميل. قد يدعو أسرتك للعودة مرَّة أخرى إلى مسقطِ رأسكَ، لرعاية أبويكَ المسنين، أو لتكون أفضل موظَّف بنكي استثماري في مدينة نيويورك. قد يدعوك للعمل بالزراعة، أو للمساعدة في زرع كنيسة جديدة داخل أكثر الأحياء مملًا في ضواحي فقيرة وبسيطة إلى أبعد حد، حيث سيتوجب عليك أن تُضحي بكل أحلامك العظيمة التي خططت لها. لكن إذا لم يدعونا الله لأمرٍ معيَّن، وعندما تبدو خياراتنا مفتوحة على مصراعيها، يجب أن نختار بشكلٍ تلقائي على أساس “جُغرافيّة الصّداقة المسيحيّة”.
إحدى الطرق للقيام بذلك: هو البحث عن كنيسة صحيّة تُبشِّر برسالة الإنجيل حيث يمكنك أن تنموا وتتأصَّل فيها. اجعلها مركز جاذبيتك الذي ستنشئ فيه علاقاتك.
في حالتك، يمكنك طرح الأسئلة التالية:
- هل أترك مجتمعي المسيحيّ تمامًا، أم أنتقل إلى مجتمع مسيحيّ آخر؟
- هل يُساعدني هذا الانتقال على الانخراط بشكلٍ أكبر في كنيسة محليّة، أم بشكل أقلّ؟
- هل يعني ذلك أنني سأقضي وقتًا أطول في التنقُّل بالسيارة، أم سأقضي وقتًا أطول مع الأصّدقاء المسيحيِّين؟
- هل يعني ذلك أنني سأكون مَخفي بعيدًا عن جيراني المسيحيّين، أم سأكون في شركة معهم؟
- هل يُقدِّم هذا المكان الصّداقة المسيحيَّة لشريك حياتي وعائلتي كذلك، أم يُقدِّم لي أنا فقط، أم لا يُقدِّم لأي واحدٍ منا؟
قد يرتبط انخفاض تكلفة المعيشة بحيّ أكثر اجتماعيّة مسيحيّة، أو قد يجعلك قريب من كنيستك، أو بسبب التكلفة المنخفضة يُمكنك أن تجد مكان مناسب للضيافة، وبالطبع هذا الأمر هامٌ جدًا لتنمية العلاقات والشركة المسيحيّة. إذَا كانت هذه هي الحالة، فلتبدأ بالبحث عنها! ولكن قد يرتبط أيضًا انخفاض التكلفة بالتخلي عن مجتمعك المسيحيّ في المدينة، وقد يُصبِح تكوين علاقات قويّة وتقضيّة الوقت معَّ الأصّدقاء المسيحيّين أمرًا مُتعب، وكذا قد تبذل جُهدًا كبيرًا في ذهابك ومجيئك للكنيسة، التي قد يستغرق الوصل لها وقتًا طويلاً بحيث قد لا يمكنك حتّى المكوث قليلاً لتناول طعام الغداء. إذا كانت هذه هي الحالة، فمن المنظور المسيحيّ للعلاقات يتضِّح أن ذلك قرارٌ غير حكيم.
اختيار الصّداقة المسيحيّة
قد يكون من الصعب اختيار أصدقاء مسيحيِّين وسط مشغوليّات ومتطلبات العمل الكثيرة وتربية الأبناء. كان هذا صراعًا حقيقيًا في حياتي. لقد عشت في الصين لسنواتٍ كمُبشِّرٍ، وذلك يعني أنني قد ابتعدتُ عن جميع أصدقائيّ وعائلتيّ من أجل دعوة الله. بعد سنوات عديدة في الصين، شعرت أن الله يدعوني للانضمام لمهنة المحاماة، لكي أصبح مُحاميًا، لذلك عدت إلى الولايات المتحدة لدراسة القانون (أي كليّة الحقوق). ولفترة من الوقت، افترضت أن دعوتي إلى “دراسة القانون” تعني أن عليّ الانضمام لأرقى وظيفة يمكنني الوصول إليها، ربما قد تكون في “واشنطن” أو مدينة “نيويورك” أو “شنغهاي”. لكن بينما تلقيت عروضاً للعمل في هذه الأماكن كلها، شعرت بأنني مُدان. (أروي هذه القصة بمزيد من التفصيل في كتابي “The Common Rule”)
رُزقتُ أنا وزوجتي بطفلنا الأول، والطفل الثاني كان في طريقه إلينا. وبين ضغوط ومتطلبات العمل الكثيرة وتربية الأبناء -التي دُعينا إليها- كنت أعلم أن الطاقة والوقت المتبقي لدينا لفعل أي شيء آخر سيكون قليل للغاية. وعندما صُدمت بهذا الأمر الواقع، أدركت أن القرار الأكثر حكمة الذي يمكنني اتخاذه لعائلتيّ، هو اختيار مكان يُمكننا أن نعيش فيه بالقرب من الكنيسة والصّداقة المسيحيّة، حيث يتمكن لنا بسهولة أن نُخصِّص ونُكرِّس الوقت المتبقي لهذه الأمور العظيمة.
بعد الكثير من الصلاة، قرَّرنا أن نجعل الصّداقة المسيحيّة أو حياة الشَرِكَة معَّ المؤمنين مركز جاذبيتنا، وأن نجعل كل شيء آخر يتمحور حول هذا الأمر. لذلك انتقلنا إلى “ريتشموند”، بولاية “فيرجينيا”، حيث يعيش الكثير من أصدقائنا وعائلتنا. لقد كان حقًا هذا أفضل قرار اتخذناه على الإطلاق.
لدينا أربعة أولاد الآن. وأدير مكتب محاماة خاص بي، بالإضافة إلى ذلك أكتب كتبًا بشكل جانبي. وتُقدِّم زوجتي مشورة مجانيَّة من حين لآخر، وتعمل معي في مشاريع المحاماة المكتوبة أو التي أتحدَّث بها في المحكمة. نعم، نحن مشغولون حقًا في هذه المرحلة الصعبة بين متطلبات العمل وتربيّة الأبناء. لكن العيش بالقرب من الكنيسة والأصّدقاء المؤمنين يعني أننا نعيش هذه المرحلة الصعبة من الحياة معًا، وليس بمفردنا- وبالتأكيد هذا يُحدِث فرقًا كبيرًا.
يأتي إلينا الأصّدقاء المؤمنين للزيارة عدة ليال في الأسبوع. كذا تُقام الخدمات الكنسيّة والعشاء العائلي يوم الأحد. أيضًا هُناك جليسات أطفال يعتنون بالأطفال معًّا بالتبادل، وأشخاص يمكننا الاعتماد عليهم عندما تصبح الأمور صعبة -وبالتأكيد تصعُب الأمور كثيرًا. وهناك مجموعات للشَرِكة. لذا فواحدة من أعظم الهدايا الروحيّة التي يمكن لنا أن نُقدِّمها لأطفالنا هي العلاقات مع الأولاد البالغين والأبناء الآخرين الذين يمشون معَّ يسوع. لذا من الصعب التفكير في أي شيء لزواجي وعائلتي أهم من توجيههم إلى حياة من الصّداقات المسيحيّة العميقة.
لستُ أعيش في أجمل منطقة سكنيّة، ولا أسكن في أفضل منزل ممكن. لكن لديّ أصدقاء يساعدوني في السير معَّ يسوع. لهذا السبب، أشكر الله كل يوم. لأنه لا يوجدَ ميراثًا أفضل لأولادي من هذا.
إذا كانت صداقة الثالوث موجودة في حِمضنا النَّوَويّ الروحيّ، فإن التشبُّه بالله أكثر يعني أنْ نُصبِح أصدقاء. وبينما نجعل الصّداقة والمجتمع المسيحيّ مركز جاذبيتنا، سنعكس خالقنا ونُمجِّده، الذي خلقنا على صورة صداقته الثالوثيّة.