لماذا تحدث اضطرابات في العلاقات العاطفية؟ ولماذا لا يوجَد إشباع في العلاقة الزوجية؟ ولماذا قلَّت الإنتاجية والإبداع والرضا لدى البعض؟ ولماذا صار الإقبال والالتزام في عهد الزواج أقل جاذبية؟ ولماذا يُصاب البعض باضطرابات نفسية وجنسية وسلوكية وجسدية وعاطفية؟
قد يحدُث كل هذا بسبب ممارسة العادة السرية (الاستمناء) بشكل مُفرِط.
لكي نتطرَّق لهذا الموضوع الشائك، علينا أن نعرِف التناول العِلمي والكتابي والثقافي المُعاصِر بشكل دقيق ومنظَّم، لنخرج ببعض النتائج والنقاط الهامة النافعة لحياتنا.
أولًا، ماذا يقول العِلم عن العادة السرية أو الاستمناء؟
اِعتبر فرويد ذلك تطوُّر طبيعي في الطفولة والمراهقة، وينبغي التخلُّص منه في مرحلة البلوغ. ولكن بعد نهاية الحرب العالمية وفي النصف الثاني من القرن العشرين اعترف وأقرّ العِلم بأنه شيء طبيعي، وأحد الخيارات العلاجية الجنسية.
كما أن التعرُّف على ملذَّات الاستمناء هو جزء من معايير التربية الجنسية في أوروبا، مثل الاطلاع على جسدك، وتكوين التخيُّلات الجنسية، وإحراز إشباع جنسي بدون خطورة. ولم يقدِّم العِلم فوائد علمية ملحوظة عن الامتناع.
تُقدِّم القياسات النفسية اليوم اضطراب جديد يُدعى “الاضطراب الجنسي القهري السلوكي”، بعد رفض مفهوم الجنسانية المفرطة الذي كتب عنه كافكا، والذي كان يُعرَّف بأنه استغراق طويل الأمد ومتكرِّر وشديد في التخيُّلات والسلوكيات الجنسية، مع حدوث معاناة شخصية في الوظائف الاجتماعية والمهنية ومجالات أخرى، وهي التي عرَّفها كافكا بأنها حدوث الشبق مرَّة يوميًا، مع وجود الاستمناء القهري كعرَض في 30-75% منهم.
ولا يقدِّم العِلم نتائج سلبية للاستمناء والعادة السرية، بل يعتبرها سلوكًا إيجابيًا وطبيعيًا!
ومن الملحوظ انتشار ممارسة العادة السرية لدى الأطفال في الفئة العمرية التي ما قبل المدرسة. ولم تُدرَج في الدليل التشخيصي كاضطراب مستمر وحقيقي فيهم، بل فقط كاضطراب عاطفي وسلوكي يظهر في الطفولة والمراهقة. ولكن يضيف المركز الوطني للسلوك الجنسي للشباب أن الاستمناء المفرط مثال على السلوك الجنسي الغير مناسب عند الأطفال أقل من 12 عام. ويَنسِبون هذا السلوك إلى اعتداءات جنسية، مُعتبرين من يمارس هذا الضحيّة لتلك الاعتداءات. ويَنسِبون هذا أيضًا إلى انتشار ألعاب جنسية ومعلومات جنسية غير صحيحة، بالإضافة إلى اضطرابات في الأسرة والأهل واضطرابات في النوم والرضاعة، وضغوط حياتية مثل الفطام أو ولادة الإخوة أو الانفصال عن الأسرة. ويُصرِّح هؤلاء بأن هذا السلوك مرتبط بثقافة وتعليم الأم، وتوجُّهات الأهل الجنسية، والعنف والضغط الأسري. وقد يكون بسبب اضطرابات نفسية أخرى مصاحبة لهذا السلوك، مثل فرط الحركة، والقلق، واضطرابات التواصل والمزاج، والملل والتهيّج. وتم تسجيل هذا السلوك عند البنات أكثر من الأولاد.
ويُعرِّف بعض العلماء الاستمناء بأنه الجهد المبذول لتحقيق الانتصاب والنشوة من خلال تحفيز الأعضاء التناسلية يدويًا أو ميكانيكيًا. ويُصرِّح بعض العلماء بأنه سلوك صحِّي وتعبير عن جنسانية الشباب. وتم تسجيل وملاحظة انتشار السلوك لدى الرجال أكثر من النساء، في البالغين والشباب. ويعتبرونه أكثر أمانًا للبعض في الحمل وللوقاية من العدوى التي تُنقَل عن طريق الجنس، بل ومفيدًا للصحة النفسية والجنسية.
يعترف بعض علماء النفس بأن السبب وراء الاستمناء المفرط هي عوامل نفسية، مثل الاكتئاب، والقلق، والوحدة، وانخفاض القيمة الذاتية، والعزلة.
وفي النهاية، تقول الأبحاث والتقارير العلمية والصحفية لك أنه من الجيِّد أن تفعلها. ولكن في الحقيقة تخاطب تلك الأبحاث والدراسات جسدك فقط وليس قلبك ونفسك وروحك. فيقول البعض منهم أنها تَقيك من سرطان البروستاتا، ولكن لا يتحدث أحدهم عن الأضرار والاضطرابات العاطفية والنفسية والأسرية والجنسية لها.
توجَد دراسات وأشعات تُثبِت أن الاستمناء، الذي يصل إلى حد النشوة الجنسية، يؤثر على أكثر من 30 منطقة بالدماغ، بما في ذلك المناطق التي تتعلَّق باللمس والذاكرة والمكافأة وحتى الألم. ولذلك تُعَد العادة السرية هي طريقة أخرى بديلة عن العلاقة الزوجية لتحفيز هذا النظام الخاص بالمكافأة، مع طرق أخرى كثيرة كالأغاني والمخدرات والحلويات والألعاب. ولا تستطيع بسهولة السيطرة على مقاومة ذلك الشعور، فتتبلَّد حواسك بعد كل مرة من المكافأة والمتعة الوقتية، وتحتاج المزيد من هذا المصدر. كما يُفرَز في النشوة الجنسية هرمون الأوكسيتوسين، وهو الذي يعمل على زيادة الارتباط العاطفي والتعلُّق والالتصاق العميق مع الآخَر في العلاقة الزوجية الطبيعية. ولذلك فإنك ترتبط بكل ما يجعلك تصل لتلك النشوة وتلك المشاعر والتأثيرات بشكل عميق.
ولكن، ماذا يقدِّم علم النفس الحديث المعاصِر لعلاج الاستمناء المُفرَط؟ تُوجَد جلسات خاصة مشوريَّة، حوالي 15 جلسة تقريبًا في 9 أشهر، ويُستخدَم فيها العلاج بالكلام، مع اكتشاف وتناول الأسباب والعوامل والتأثيرات والنتائج.
ثانيًا، ماذا تقدِّم الثقافة اليوم حول العادة السرية؟
لا يختلف التناول الثقافي كثيرًا لهذا الموضوع عن التناول العلمي المذكور أعلاه. تَقِر الثقافة المعاصرة بأن الامتناع يأتي عند البعض من المواقف والقناعات الشخصية وليس من أضرار نفسية وفسيولوجية، بل ويأتي في الأصل من الدين والسياسية التي تَنشُر، في رأيهم، الخزي والذنب. وتقول الدراسات أن الدين أنتج مشاعر سلبية عن العادة السرية باعتبارها خطيَّة وسلوك غير صحي. ويجد الأهل صعوبة في الحديث والنقاش مع أولادهم عن هذا الموضوع لأنه موضوع غير مفضَّل لديهم.
وتُصرِّح الثقافة الأمريكية بأن جسدك ينتمي إليك وأنت تمتلك جسدك، وتستطيع أن تفعل أي شيء تريده فيه. كما توجَد إعلانات كثيرة للمراهقين تدعم بانفتاح وعدم تحفُّظ ممارسة الاستمناء، معتقدين أن المُتعة تفوق اتخاذ القرار.
وبعد الحديث عن الشق العلمي والثقافي المعاصر لهذا الموضوع الهام والشائِك والحيوي، علينا أن نعرف ماذا يقول الكتاب المقدس حول هذا الموضوع، وهل يعتبر هذا خطية؟ وكيف نتغلَّب على تلك المشكلة؟ وهل الكتاب المقدّس يتَّفق مع الدراسات والأبحاث العلمية والثقافة المعاصرة؟
كل هذا سنُقدِّمه في المقال القادِم إن شاء الرب وعِشنا.
د. صموئيل فكري
طبيب نفسي ومُشير كتابي