تعريف وإحصائيات وتقسيم العُقم
هو عدم قدرة الشخص أو الأسرة على الإنجاب بالوسائل الطبيعية لأكثر من عام في حدوث العلاقة الزوجية، بدون أي وسائل لمنع الحمل للزوجين.
ويُقسَّم العُقم لعُقم أولي (أساسي) وهو في حالة عدم إنجاب أي طفل، وعُقم ثانوي وهو في فشل حدوث إنجاب بعد حدوث حمل سابِق.
توجَد أسرة من كل 8 أُسَر تُعاني من عدم القدرة على الإنجاب بعد عام من المحاولة. ويرجع ثُلث الحالات إلى عوامل في الذكور، وثُلث لعوامل في الإناث، والثُلث الأخير يرجع لأسباب غير معروفة. وقد يرجع العُقم المجهول السبب لاضطرابات غامِضة في الرجل أو المرأة أو الاثنين معًا.
متى يُنصَح بالعرض على طبيب؟
للمرأة، يُنصَح بذلك عند حدوث عدم انتظام أو غياب أو ألم الحيض. ولمن هم أكثر من 35-40 عام، في عدم حدوث حمل لمدة 6 أشهر، أو عند وجود مشاكل معروفة للعُقم، أو في التشخيص باِلتهاب بطانة الرحم أو اِلتهاب الحوض، أو حالات الإجهاض المتعددة، أو تناول علاج للسرطان. وللرجل، يُنصَح بذلك عند قلَّة عدد الحيوانات المنويَّة ومشاكلها الأخرى، وعند وجود تاريخ مرضي لاضطرابات الخصيتين والبروستاتا والمشاكل الجنسية، وعند تناول علاج السرطان، وعند وجود الخصيتين الصغيرتين أو تورُّم كيس الصفن، أو عند وجود تاريخ عائلي لمشاكل العُقم.
الأسباب وعوامل الخطر
عند الرجل، تتسبَّب تلك الأمور في حدوث العُقم بحسب الدراسات والأبحاث، وهي عند وجود إنتاج ووظائف طبيعية للحيوانات المنوية، ومشاكل توصيل الحيوانات المنوية، والتعرُّض المفرط لعوامل بيئية محدَّدة مثل: المبيدات، والإشعاع، والكيماويات، والتدخين، والمضادات وأدوية الضغط المرتفع في الدم، والاكتئاب، والتعرُّض المفرط للحرارة، والآثار الناتجة عن السرطان أو علاجه.
وعند المرأة، تتسبَّب تلك الأمور في حدوث العقم، وهي اضطرابات التبويض، ومشاكل الرحم، والتهاب بطانة الرحم، وانسداد واضطراب قناة فالوب، وقصور المبيض الأساسي، والآثار الناتجة عن السرطان وعلاجه، والتصاقات الحوض.
ومن عوامل الخطر: العُمر، واستخدام التبغ، وتناول الكحول، والسمنة، والنحافة المفرطة، وعدم ممارسة الرياضة.
وتؤثِّر هذه الأدوية على الخصوبة: المسكنات عند استخدامها لفترات طويلة مثل أسبرين وأيبوبروفين، والعلاج الكيماوي، ومضادات الذهان، والمخدرات كالحشيش والكوكايين، والمنشطات، وأدوية الروماتيزم ومرض كرون.
قد تكون أسباب العُقم في الذكور: الإجهاد التأكسدي، أو تفتّت وتكسير الحمض النووي، أو حالات لا رجعة فيها، أو عيوبًا في الحمض النووي الريبي والمريكزات.
وتُعدّ مشاكل التبويض هي أشهر سبب للعقم عند الإناث، والتي تظهر في فترات الحيض المتفرِّقة أو الغائبة.
الجدير بالذكر هو تأثير السمنة على العُقم، فينتج عنها قلَّة جودة السائل المنوي، واختلال انتصاب العضو الذكري، والتهاب البروستاتا. وقد تؤثِّر على الجهاز التناسلي الذكري بزيادة نسبة الأنسولين والليبتين في الدم، وقد تتسبب في بعض الالتهابات المزمنة، والإجهاد التأكسدي، وتغيير النشاط الهرموني المركزي الخاص بالعملية الإنجابية. كما تؤثر على كثافة وحركة وحيوية وشكل الحيوانات المنوية، وتعطِّل تكثيف الكروماتين، وتهشّم الحمض النووي، وتزداد نسبة حدوث موت الخلال والتغيُّرات اللاجينية التي تؤثِّر على النسل.
التدخلات العلاجية وتقنيات الإنجاب المُساعِدة
توجد علاجات دوائية وجراحية وتقنيات مُساعِدة للإنجاب. وقبل الخوض في التدخلات والتقنيات بعمق، يُرجى التذكير بأنه ليس كافيًا للرجل أن يكون لديه تحليل طبيعي وسليم للسائل المنوي، فقد تكون المشكلة لديه في حالة الحيوانات المنويَّة، التي قد تكون أيضًا مصدرًا للعقم المجهول السبب. وعلى سبيل المثال: يمكن أن تكون مشكلة العقم بسبب اختلال الصيغة الصبغية بالرغم من أن كثافة الحيوانات المنوية وحركتها طبيعية وسليمة. ويقع عبء العلاج في الأغلب على المرأة، وخاصة في هذه الحالات باستخدام تقنيات الإنجاب المُساعِدة، في حالات قلة عدد الحيوانات المنويّة أو قلَّة الحركة أو المورفولوجيا أو الشكل الغير طبيعي للحيوانات المنويّة. ولا بد من عدم إلقاء اللوم على طرف واحد بعينه، لأنه ربما تكون هناك أسباب غير معروفة لدى الطرف الآخر، الذي يظهر بدون اضطرابات أو بدون أرقام وتقارير غير طبيعية في الفحوصات والتحاليل الخاصة والعامة. ويُنصَح بتلك التقنيات المُساعِدة في وجود عُقم عند الرجل أو في عدم وجود سبب معروف للعقم. وتشمل هذه التقنيات تلك الطرق: التلقيح داخل الرحِم، والإخصاب في الأنابيب، والحقن المجهري.
ويشمل فحص المرأة عند وجود مشكلة في العقم اتِّخاذ التاريخ المرضي الكامل، والفحص الشامل، مع التحاليل المعملية الخاصة، والتصوير بالموجات فوق الصوتية، وتصوير الرحم بالصبغة. والجدير بالذكر أن فحص الرجل أقل شمولية وأقل اختراقًا.
ويوجد تدخُّل علاجي، على عكس التقنيات المُساعِدة، أقل اختراقًا، ويُستخدَم بشكل طبيعي عند وجود العدد الطبيعي من الحيوانات المنوية عند الذكور، وعندما تظهر المرأة بشكل طبيعي في الفحص والتحاليل، أو حتى باضطراب في التبويض كما في متلازمة تكيُّس المبيض التي يمكن علاجها. وهذا العلاج يشمل تحديد فترة التبويض، والتخطيط للعلاقة الزوجية خلال تلك الفترة الزمنية لزيادة فرصة حدوث الحمل. ويُمكِن أو يكون هذا العلاج مُرهِقًا للزوجين بنفس القدر لاحتياج الزوجين إلى الأداء عند الطلب.
يُعدّ التلقيح داخل الرحِم هو التدخُّل الرئيسي الأول والأشهر للنساء عند وجود مشكلة لدى الزوجين، وخاصة في العُقم المجهول السبب أو عقم الذكور البسيط. وهذا العلاج بالإيداع المباشر للحيوان المنوي داخل الرحِم، بقسطرة يتم تمريرها عبر عنق الرحم داخل الرحم. وغالبًا يتم بعد تناول الزوجة الأدوية الهرمونية لتحفيز المبايض. وهو أقل اختراقًا نسبيًا وأقل تكلفة من الطرق الأخرى لتقنيات الإنجاب المُساعِدة، وله أعراض جانبية جُسمانية.
وأما الحقن المجهري والإخصاب في الأنابيب فهي أكثر الطرق اختراقًا في تلك التدخلات الإنجابية المُساعِدة. ويشمل الإخصاب في الأنابيب إخصاب البويضة في طبق معملي خارِج الجسم. وأما الحقن المجهري فهو حقن مباشر لخلية الحيوان المنوي داخل البويضة. ثم يتم فيهما إعادة الجنين إلى الرحم، حيث نأمل أن ينتج عن ذلك حمل صحِّي. ويتضمَّن فيهما التحفيز الهرموني واسترجاع البويضات من الأنثى. وهناك احتمالية لحدوث آثار جانبية خطيرة من الأدوية المُستخدَمة أو أثناء عملية استرجاع البويضات الفعلية، مثل متلازمة فرط تنبيه المبيض، والتي على الرغم من ندرتها يمكن أن تؤدّي إلى نتائج مرضية كبيرة.
ويوجَد من يختار التلقيح الصناعي، ولكن بواسطة التبرُّع بالحيوانات المنوية، وكان لديهم معدل حمل وصل إلى 44% في دراسة جديدة، على الرغم من عدم قبولنا وقبول الدول العربية لتلك الطرق لأسباب دينية وتشريعية وأخلاقية.
لم تقوم تقنيات الإنجاب المُساعِدة بعد بِحلّ مشاكل الذكور خاصة في المكونات الداخلية المعيبة للحيوانات المنوية. وقد تكون ساعدت فقط في مشكلة قلّة كثافة الحيوانات المنوية.
ويبلغ مُعدَّل المواليد الأحياء بعد تلك التقنيات حوالي 30%، ويقلّ هذا مع تقدُّم عمر الأم. وقد يحتاج التدخّل إلى دورات عديدة متكرّرة ليحدث الحمل. وهذا يصعُب بسبب التكلفة العالية لتلك التدخلات وتأثيراتها على صحة الأسرة الجسدية والنفسية وخاصة الأم. وتقول الأبحاث والدراسات بأنها قد تكون بلا قيمة وبلا تأثير خاصة إذا كان سبب العُقم مرتبط بالعيوب الداخلية للحيوانات المنوية. لذلك يُفضَّل متابعة وفحص الطرفين فحص شامل وكامل قبل اتخاذ أي قرار.
ويوجد خيار علمي آخر يُقدَّم في تلك التقنيات وهو الحفاظ على الخصوبة، حيث تقوم الزوجة فيه بتجميد بويضاتها لمنح الأطباء مزيدًا من الوقت لتصحيح العقم عند الذكور. وقد يُستخدَم علاج التبرُّع بالحيوانات المذكور أعلاه أيضًا عندما يكون لدى المرأة احتياطي منخفض في المبايض، ويعدّ الوقت عامل حاسم، كما يُنصَح به علميًا بعد التعرُّف على خلل في المكونات الداخلية للحيوانات المنوية.
نستكمِل في المقال القادِم والأخير أمور هامة عن مساعدة من يُعانون من مشكلة العُقم، بتقديم بعض الخطوات لهم ولمن يخدمونهم، وبتقديم المشورة الإلهية الكتابية لكل شخص مُحبَط ومتألِّم.
د. صموئيل فكري
طبيب نفسي ومُشير كتابي