الكنيسة والعُقم
يُعدّ العُقم مشكلة مُحرِجة، ويَصعُب طرحها والحديث عنها. ولكن يحتاج هؤلاء للمساعدة وللدعم، بالرغم من صمتهم تجاه تلك المُعاناة. وبلا شك أن دور كل كنيسة حقيقية محليَّة هو أن تمارِس وحدتها ومحبتها بأن تَفرَح مع الفرحين وتبكي مع الباكين باتزان (رومية 12: 15). ويظهَر هذا الدور لا سيما في احتفالات أعياد الأب والأم. لا بد من عدم استبعاد هؤلاء الأزواج من المجموعات الموجَّهة نحو الأسرة. لأنه قد يكون لهم فيها أصدقاء مؤمنين، وقد ينعِم عليهم الله بأطفال في أي وقت، وقد يستفيدوا من هذه الفصول والدروس. ولا بد أيضَا من تناول الأمور الكتابية والأخلاقية التي يتناقش فيها الأطباء مع الأزواج حول التقنيات الإنجابية المُساعِدة، وقد يُفضِّل هؤلاء الأزواج الحديث مع آخرين لديهم نفس التحديات. وهم يحتاجون للحقّ أكثر من التعاطُف (مزمور 61: 2). لنصلِّي لأجلهم وخاصة لأجل نتائج تلك الخيارات العلاجية والفحوصات والاحتياجات المادية، والرب وحده هو المُسيطِر وصاحب السلطان، وهو لديه مقاصِد ويعمل كل شيء حسب رأي مشيئته (أفسس 6: 11). لنتعلَّم الحذر في الأسئلة التي نوجهها لهُم، متجنِّبين الأسئلة حول الإنجاب. والأهم أن نكون في صداقة حقيقية معهم، ولا نخشى إطلاقًا دعوتهم حتى للأنشطة التي تشمل الأطفال. ومن الأمور الهامة في مشورتهم أن نهتم بالمسائلة حول علاقتهم معًا، ونُذكِّرهم بأن الله له خطة، ليست لإشباعهم المؤقت بل لمجده وملكوته (فيلبي 4: 6؛ إشعياء 55: 8-9). فهل رغبتهم المشتركة هي ما يطلبه الرب لهم؟
ويُنصَح بعدم المشاركة بمجرَّد الخبرات في تلك المشكلة، خاصة لتفرُّد كل حالة في العقم عن الأخرى، ولحساسية وصعوبة الموقِف. ويفضَّل التشجيع على زيارة ومتابعة مختصِّين لتفادي الأخطاء بشكل عام.
نصائح لمن يُعانون من مشكلة العُقم
ليست هذه المشكلة شيك على بياض للشفقة على الذات وعدم المساءلة، لأننا جميعًا بحاجة للتشجيع وأيضَا للتحريض. فلكي نقي أنفسنا من المرارة والوصول للمرحلة التي وصلت إليها زوجة أيوب، وهي لعنة الله وطلب الموت، علينا بالرجوع إلى الرب. وهذا يحدُث بالشركة معه ومع الأصدقاء الموثوق بهم والحديث معهم بأمانة وصدق يوميًا. وإذا بقينا في الحزن، فهذا يحوِّلنا إلى الغضب والمرارة، ولكن لنلجأ إلى الرب لأنه يسمع صراخ قلوبنا المنكسرة (المزامير 13، 42، 77، 88).
من المحتمل ألَّا نعلَّم السبب واللغز حول سماح الله بهذه المعاناة. ولكننا نعلم أن يسوع المسيح، العبد المُتألِّم، معنا. وهو رجل الأوجاع ومُختبِر الحَزَن الذي سار في درب المعاناة والآلام مثلنا. وهو يعرِفنا، ويعرِف آلامنا، ويستطيع ويرغب أن يسير معنا في هذا الوادي الذي نعبر فيه.
ويؤكِّد الكتاب المقدّس نفسه هذا الألم العاطفي عن ذكر بعض الحقائق الطبيعية الغير مُرضِية (أمثال 30: 15(ب)–16). وليس من الخطأ إطلاقًا أن نصلِّي ونطلُب ونرجو أطفالًا من الرب، لأنهم بركة من الرب (مزمور 127: 3-5(أ)). ومن المؤكَّد أن ليست كل مشاكلنا بسبب خطايانا الشخصية، والدليل على ذلك قصة أيوب وتصريحات الرب عن الأعمى بحسب إنجيل يوحنا (الأصحاح 9). ولكن المشكلة الرئيسية هي في اللعنة التي أصابت الأرض من الخطية والسقوط. وليس فتح الرحِم أيضًا والإنجاب بركة بسبب أفعالنا وطاعتنا وتقوانا، فعند دراسة ما حدث مع سارة ورفقة وليئة وراحيل وحنَّة وأليصابات نُدرِك أن الله يُنجِز ويحقِّق مقاصده الخاصة من خلال تلك الأمور والأحداث.
ليست كل الوسائل الطبيعة المُساعِدة للإنجاب مقبولة أخلاقيًا للمؤمنين، ولكن تعد تلك الطرق هي المقبولة لمواجهة المعاناة: قبول الوضع والبحث عن إرشاد الله للمستقبل، أو الانتظار لأكثر من سنة والترقُّب، أو طلب الفحص الطبي لمعرفة سبب العُقم، أو البحث في الطريقة المناسبة للطرق المُساعِدة للإنجاب، وأخيرًا التبنِّي.
لا بد من عدم رؤية الصورة كما رأتها راحيل عن عُقمها (التكوين 30: 1)، وهي إما الإنجاب أو الموت. فالموضوع ليس خطأ منك أو فيك، وليس عقابًا على شيء ما فعلته، ولست أقل ممن حولك الذين لم يُعانوا من هذه المشكلة. لذا لا بد من الاستعداد للتعامل بحذر مع الألم العاطفي الذي ستواجهونه معًا من حزن أو غضب أو تدنّي تقدير الذات أو الوحدة. وليست دعوتنا العُليا إنجاب وتربية الأطفال، بل التشبُّه بالمسيح (رومية 8: 29). ولا تُصدِّق مقولة أن الأب لا يستطيع التعلُّق وحب أطفال بالتبنِّي (تكوين 48: 5). لذا فالعُقم ليس عقاب إلهي بل مشكلة جسدية لها أسباب وتدخلات علاجية عديدة (أمثال 13: 12)، ولكن السبب الرئيسي والأساسي هو في سلطان الله القدير. الرب يفتح الرحم (تكوين 29: 31؛ 30: 22) وأيضًا يُغلِق الرحِم (1 صموئيل 1: 5). فلا بد أن نُخضِع أنفسنا لإرادته ومقاصِده، وبهذا يكون شبعنا ورضانا في خطة الله التي أعدَّها لحياتنا.
خطوات هامة للأزواج
لا تنسوا المشاركة والحفاظ على العلاقة بينكما في عهد الزواج، والتعبير عن محبة كل منكم للطرف الآخر يوميًا، واعترفوا بمخاوفكم ومشاعركم، وشجِّعوا وادعموا بعضكم بعض لفظيًا، وقوموا بمواجهة التحديات والاختلافات بشكل مباشر، ولا تتوانوا في الاتصال بأصدقاء لديهم نفس المعاناة، واهتموا بخدمة الآخرين، وسلِّموا كل يوم لسلطان الله وخطته، ولا تنسوا أخيرًا صَلب الرغبات الجسدية وتقديم النفس ذبيحة حية للرب.
نواهي هامة للمُشيرين
لا تفترض أن هؤلاء اختاروا هذا، ولا تقلِّل من قيمة الحزن الذي يُعاني منه هؤلاء، ولا تسأل لماذا ليس لديهم، ولا تُقدِّم نصيحة لم تُطلَب منك أو لم تُسأَل فيها، ولا تقدِّم تعليقات مبتذَلة، ولا تفترض بأن المشكلة مشكلة المرأة أو الرجل، ولا تخشى من مناقشة المشكلة إذا عرفت بأنهم يدركون حبَّك لهم واهتمامك بهم.
د. صموئيل فكري
طبيب نفسي ومُشير كتابي