بعد الاطِّلاع على أحدث الأبحاث العلمية والتصريحات الثقافية، نأتي معًا لأهم فصل في موضوعنا، وهو التناول الكتابي لموضوع العادة السرية والاستمناء المفرط. ماذا يقول الكتاب المقدس حول هذه القضية؟ وهل يختلف التناول الكتابي الروحي مع التناول العلمي الثقافي؟ وهل هي خطية؟ وكيف نتغلَّب عليها إذا كانت خطية؟ وهل توجَد خطوات عملية مُتَّبعة لمواجهة تلك المشكلة؟
ثالثًا، ماذا يقول الكتاب المقدس عن هذه القضية؟
في البداية، يعلِّمنا الكتاب المقدّس ألا نشاكِل هذه الدَهر وألا نكون في صداقة مع العالم ونظامه (رومية 12: 2). لذا فنحن لا نُصدِّق إلا ما تقوله كلمة الله (الحق) الثابتة لنا. وهذا لا ينفي اطِّلاعنا على العلم وملاحظاته. ولكن يجب أن تكون لكلمة الله السلطة العليا الأولى في حياتنا، فتتجدَّد أذهاننا بالكلمة لنختبر إرادة الله في حياتنا.
لذلك يجب ألَّا نصدِّق أننا نمتلِك أجسادنا وأنها تنتمي إلينا، فنعمل بها كل شيء نريده. ولا يجب أن تكون المتعة أهم من اتخاذ القرار لتلك الأسباب، فأجسادنا ملكًا للرب أولًا (رومية 12: 1)، وثانيًا للزوج أو للزوجة، في حب واحترام وتقدير (1 كورنثوس 7: 4)، وثالثًا وأخيرًا ملكًا لنا للاعتناء بها والتحرُّك من خلالها تحت سلطان الله. فنحن لسنا أحرار لنفعل ما يُرضينا، بل ما يُرضي الرب خالقنا وفادينا.
لم يتحدَّث الكتاب المقدّس بشكل مباشر وواضِح عن العادة السرية، ولكنه يعطينا الاتجاه العملي المؤثر في كيفية صنع القرارات بأجسادنا ونفوسنا وأرواحنا (1 كورنثوس 6: 12-20). وهذا المقطع الكتابي يُصرِّح بأن عدم ذِكر أمر ما بأنه خطية لا يعني بأنه صحيح ومُبرَّر فعله. كما أنه يؤكِّد بأن أجسادنا تنتمي للرب، كما يقرّ بمسئوليتنا أمام الرب يسوع، مالك أجسادنا، عنها. فليس من حقّنا أن نأخذها ونستخدمها بالطريقة التي نرغب فيها، لأنها للرب، وعلينا أن نستعملها لتمجيد الله.
فالعادة السرية ليست مُعرَّفة كخطية بوضوح وبشكل مباشِر، لكنها تقودنا لسلوكيات خاطئة. كما أن الكتاب كان واضحًا حول التخيُّلات الشهوانية (متى 5: 27-28). فالتفكير في امرأة أخرى بشكل شهواني يُعَد زنا. وهذا الفكر الشهواني موجود بشكل واضِح أثناء الاستمناء. كما أن الاستمناء المُفرط هو صورة من صور التشوُّه لتصميم الله في الزواج بسبب الخطية (العبرانيين 13: 4). كما توجد تشوُّهات أخرى كثيرة لتصميم الله في الجنس، مثل المثلية الجنسية والزنا والعهارة. إن العادة السرية هي ممارسة الجنس مع الذات، وهي شكل من أشكال الشذوذ والمثلية التي فيها يُشبِع الإنسان نفسه. ولكن تصميم الله الأصلي للجنس كان للزواج، للإثمار والالتصاق، بين رجل وامرأة، وفيه يكون كل شخص لإشباع الآخر. لهذا يصعُب مع ممارس العادة السرية كثيرًا الحصول على علاقة جنسية صحيحة مع الزوج أو الزوجة، وهي تؤثِّر على العلاقات الزوجية جدًا بسبب المشاهدات والتخيُّلات والتمركُز حول إشباع الذات.
رابعًا، الجنس الصحيح في فكر الله:
إن الجنس المقدَّس في عهد الزواج، الذي يمجِّد الله، هو لإشباع الزوج أو الزوجة (الآخر). وهو أكثر من مجرَّد نشاط جسدي، لأن الله يريدنا أن نرضيه بخدمتنا ومحبتنا لبعضنا البعض، خارج غرفة النوم، من خلال التحدُّث لبعضنا البعض والتفاعل مع بعضنا البعض، كجسد واحد في كل شيء وليس في هذا الشيء فقط. فالالتصاق والحميمية الجنسية هي الامتداد الكتابي لاستمرار الحياة كجسد واحِد.
وعلى الزوجة التي تُعاني من ممارسة زوجها للعادة السرية أن تُدرِك أن مشكلة زوجها مع الجنس ليست عنها بشكل أساسي. لذلك عليها ألا تقوم بالتركيز على عدم أمانها في تلك التحديات، فليس الخطأ أو العيب فيها. وعليها أن تقاوم الخداع بالتفكير في عدم كفايتها أو أهليتها. وليساعِدها الرب أن تحترِم زوجها، في خضوع، فلا تمنَع العلاقة الزوجية عنه أو تجعلها مجرَّد واجِب وفرض.
خامسًا، التشخيص الحقيقي وتحذيرات هامة:
لا توجَد أبحاث علمية وتصريحات ثقافية دنيوية حول هذا الموضوع تخاطب القلب أو الروح، بل كلها تخاطِب الجسد. فلا تجد فيها الأضرار العاطفية والاضطرابات الأسرية والنفسية الناتجة عنها مثل ما ذُكِر في المقال السابق. كما تتسِم تلك الأبحاث بالتركيز على إمتاع الذات. وعلينا أن نتذكَّر أن مشكلة الإباحية أو البورنوجرافي ليست في الثقافة، بل في الذهن والقلب (أفسس 4: 22- 24). فلا تجعَل نفسك ضحية للثقافة العصرية، لأن القلب فاسِد ويحتاج إلى التوبة، ثم إلى تجديد الذهن بعمل الروح القدس، قبل أن نلبَس أي سلوك جديد. ويُعد البورنوجرافي مسرح خاص يتحكَّم فيه الشخص للهروب من أشياء كثيرة لدقائق قليلة، حتى يصبح تحت سيطرة تلك الأشياء.
لنتذكَّر أن الاستمرار في العادة السرية والبورنوجرافي يُعطِّل التغيير ويُزيد التخيَّلات، ويعمل كحافِز لحدوث أشكال وتصرّفات سلوكية وأخلاقية أخرى، كما يقود إلى خبرات جنسية منعزلة ذاتية وغير حقيقية. بالإضافة لأضرار عديدة، منها الاكتئاب، وعدم الاهتمام والاستمتاع بالزوج أو الزوجة، وقلة الإحساس أثناء الجنس، وصراعات وصعوبة في التواصل العاطفي بسبب التخيُّلات، وعدم إحساس الزوج أو الزوجة بالقيمة، لأنها لا تجعلك تهتم برغبات واحتياجات زوجك أو زوجتك.
إن تشخيص الإباحية الحقيقي هو اضطراب عبادة. وعلينا ألا نثق في نوايا وميول قلوبنا. وهي مهرَبًا ومخرجًا وهميًا من الضغوط والمشاعر السلبية، نظرًا لتأثيرها المُمتِع والمُبهِج المؤقَّت. لذلك فإن أكثر الأوقات التي يمارس الناس فيها هذه العادة هي في وحدتهم وتعبهم وغضبهم ورعبهم وضغطهم. فهي لذلِك إحساس مُزيَّف بالراحة والاستقرار لمشاعرنا، بالرغم من عدم وجود إجابات وحلول حقيقية جذرية لمشاكلنا وصراعاتنا. وهي ليست مُشبِعة للنهاية لأنها لا ترقى إلى مستوى ما هو طبيعي ومُشبِع في الاتحاد الروحي والجسدي بين الزوج والزوجة. الله لا يحاوِل إفساد متعتنا بل يقودنا لما هو أكثر إشباعًا.
سادسًا، خطوات ومقوِّمات التغلُّب على المشكلة:
علينا أن نكسر تلك العادة، معترفين بخطيِّتنا ومُدركين أضرارها وتأثيراتها، في سعينا الروحي مع المسيح لمجد الله بالقداسة. لنعترِف أولًا بوجود هذا الإدمان بدون مبرِّرات وبدون إلقاء اللوم على الآخرين. كما نحتاج أن نكون تحت المسائلة والمواجهة من راعي أو مشير مؤمن وحكيم فنشاركه بصراعاتنا (يعقوب 5: 16). ولا ينفع أن نعتمد على قوة إرادتنا بل على معونة وقدرة الله الفائقة، مُخضِعين إرادتنا لإرادته. وعلينا أن ندرس كلمة الله يوميًا بعمق وخاصة الأجزاء المتعلِّقة بالطهارة الجنسية والقداسة (يعقوب 1: 21). ويجب أن نقوم بالتخلُّص من كل محتوى جنسي وإباحي لدينا، يدمُّر حياتنا وزواجنا وأسرتنا. ولنتعلَّم ونتدرَّب على الهروب من التجربة والخِداع (أمثال 4: 14-15). إن الاسترداد والإصلاح يحتاج وقت، وهو عملية نمو وتعلُّم قد تكون مؤلِمة جدًا مثل الماراثون الطويل وليس كالسباق القصير، فكُن ممتنًّا وفَرِحًا بكل تقدُّم ولو صغير.
إن الإنجيل هو الرجاء الوحيد لنفوسنا. وعلينا أن نجدِّد أذهاننا بحقائق الإنجيل، صاحين ومُدركين الحرب الروحية الشرسة المستمرَّة في أذهاننا. ولنتذكَّر هويتنا الجديدة في المسيح، ساعين في طريق القداسة والطهارة، فنحفظ قلوبنا ونفحص طرقنا دائمًا، سالكين في الروح. فالمشكلة الحقيقية هي مشكلة القلب وأوثان القلب في الداخل، وليست في السلوكيات الخارجية. لهذا فالحاجة إلى توبة قلبية، فننظر إلى المسيح وهويتنا الجديدة فيه وحياتنا معه، فنخلع أعمال الظلمة وأعمال الجسد، وتتجدَّد أذهاننا بكلمة الله وعمل الروح القدس، ونلبس المسيح مُمجِّدين الله وهاربين من الفساد الذي في العالم بالقدرة الإلهية الفائقة. هذا لا ينفي أن صراعنا مُستمِر مع الجسد حتى مجيء المسيح ليغيِّر شكل جسد تواضعنا ويفدي أجسادنا في التمجيد المُنتظَر. وفي هذا رجاء وعزاء لنا بعد التبرير بعمل المسيح الكفاري على الصليب، ولنا أيضًا عزاء في الحاضِر بأن الرب معنا بنعمته المُخلِّصة في رحلة وعملية التقديس التي فيها نسلُك بالروح ونُبغِض الشر، وننكر الفجور والشهوات العالمية، ونعيش بالتعقُّل والبر والتقوى في العالم الحاضِر (تيطس 2: 11-14).
د. صموئيل فكري
طبيب نفسي ومشير كتابي