يواجِه أطفالنا الكثير من الصور والأفكار الخاطئة حول الجنس من لحظة استيقاظهم حتى نومهم. وتملأ الرسائل الجنسية الموسيقى والإعلانات التجارية والراديو والكمبيوتر والفصول الدراسية ومقاطع الفيديو والأفلام والكتب والمحادثات الهاتفية. ولن يكون هناك مواجهة وموازنة لتلك الرسائل إذا لم يتكلَّم الآباء والأمهات. يُعتبر الأهل هم أفضل وأكثر الناس تأهيلًا لقول الحقيقة لأطفالهم حول القضايا الجنسية. وينبغي أن يكون هذا جزءًا من التدريب الذي يحدث في المنزِل. ولا ننسى إطلاقًا في سعينا لحل مشكلة نقص التوعية الجنسية لدى أطفالنا أنه هناك كم كبير من الألم والمعاناة نتيجة المعلومات الخاطئة والمُضلِّلة والخطايا الجنسية. ليس هناك وقت مثل الوقت الحاضِر، فعلينا أن نبدأ في تناول وحل تلك المشكلة سريعًا والآن!
خطر الإهمال
إن تجنُّب الحديث والتوعية يُشير إلى عدم القدرة أو الرغبة أو كليهما في مناقشته، وسوف يبحث الأطفال في مكان آخر لإجابات عن أسئلتهم. وهذا يتركهم عرضة لمعتقدات أصدقائهم، وسيل من الصور والمواقف والمفاهيم عن الجنس والأخلاق من الثقافة العالمية العصرية المُحيطة. كما يُمكن أن يُزيد من خطر وقوعهم ضحايا للجرائم الجنسية، لأنهم لا يملكون أي مرشَّح (filter) للتمييز بين الخير والشر.
الكل يتحدَّث الآن عن الجنس، فلماذا لا نبدأ بعد؟ فالجنس حقيقة من المهد إلى اللحد، ولا نملُك سوى بضع سنوات قليلة لتعزيز النمو الأخلاقي لأطفالنا. نحن بحاجة لفهم أطفالنا والثقافة الصعبة المُحيطة بهم، ولدينا شرَف كآباء وأمهات أن نُعلِّمهم ما نتعلَّمه في العلاقة مع الرب وخطته للعائلة.
فِكر الله عن الجِنس
يُفضَّل أولًا تعليم الأطفال عن الله قبل تعليمهم عن الجنس. ولا ننسى أن الجنس من أكثر الأمور الطبيعية في العالم، وأكثر الخبرات قُدسيَّة بين كل زوج وزوجة، بل هو لب وجوهر الوجود الإنساني. فيجب التدريس في سياق نهج كتابي شمولي، أي بالأخذ في الاعتبار للشخص بأكمله. ومن خلال هذا النهج الكتابي يتمتَّع الأطفال بتقدير واحترام صحِّي لهِبة الجنس. لذا يجب على الأهل تثقيف وتجسيد المبادئ التي تقود أطفالهم إلى الصحة والنزاهة الجنسية.
يوجد بسفر التكوين أساس متين لتصميم الله للجنس. وفيه نرى كيف خلق الله الإنسان، ذكرًا وأنثى، وأوصاهم بالإثمار (التكوين 1: 27-28). فيمكن لنا أن نبدأ بإخبارهم عن نظرة الله وتفكيره عن الجِنس في المقام الأول. فهو من خلق الإنسان ذكرًا وأنثى ليشتركوا معًا في الإثمار والتكاثُر بمحبَّتهم لبعضهم البعض بشكل خاص. ويعلم الرب رغبتهم، في نموِّهم وتطورهم، بالصداقة والشركة التي تتضمَّن الاستمتاع بالاختلافات في أجساد بعضهما البعض. ومن المهم أن نعلِّمهم أن الرب منح الوحدة الموجودة في الزواج كعلامة ورمز للحب الداخلي في الثالوث، ولمحبته لنا. ولهذا يمكن أن نلخِّص أن هناك ثلاثة دروس أساسية يجب أن يفهمها الطفل عن الاتحاد الجنسي، وهي أنه موجود لإنجاب الأطفال، ولتغذية الحب بين الأب والأم، وللتوجيه والإشارة إلى محبة الآب والابن والروح القدس.
يُعَد الجنس بين الزوج والزوجة رمزًا للعُرس المستقبلي بين المسيح وكنيسته. فنحن كمؤمنين مخطوبين للمسيح عند قبولنا لخلاصه وكفارته لخطايانا. يجب أن نفهم ونُخبرهم بأن الكتاب المقدس يبدأ بالزواج بين رجل وامرأة في سفر التكوين، وينتهي في سفر الرؤيا بزواج المسيح بالكنيسة (الرؤيا 19: 7). كما يمكننا أن نخبرهم الكثير من القصص الكتابية عن الجنس، أمثال قصة شمشون ودليلة (قضاة 16: 1- 21)، وداود وبثشبع (2 صموئيل 11)، ورحاب الزانية، والمرأة التي أُمسِكَت في ذات الفِعل (يوحنا 8: 1–11). كما يمكن ذِكر الفرق بين داود ونظرته الشهوانية لبثشبع وخطيَّته، ويوسف الذي هرب من زوجة فوطيفار عن التجربة (التكوين 39). كما يجب إخبارهم عن مساواة الذكر والأنثى في القيمة (غلاطية 3: 28)، وأن الجميع أخطأوا (رومية 3: 23)، وعن رحمة الله لغفران الخطايا حتى بعد العواقب الأليمة (أعمال الرسل 13: 22؛ 2 صموئيل 12: 15–17؛ 2 صموئيل 13). ولا يجب أن ننسى تعليمهم عن الزواج وكونه سر عظيم: “الجسد الواحد” (التكوين 2: 24؛ أفسس 5: 31–33).
الفئات العمرية المختلفة والنمو
يفهم الطفل في السنين المبكرة الأمور بشكل عيني وملموس، وليس بشكل مجرَّد. ويمكن التوعية والحديث من خلال شرح القصص الكتابية بطريقة السبب والنتيجة. ونريد تحقيق تشكيل روحي ملموس يشمل نظرة صحيحة وصحيَّة للجنس وتقدير حقيقي للذكورة والأنوثة. كما نريد أن يربط أطفالنا الحياة الجنسية بتصميم وفكر الله للحياة والسلام.
يجب أن نراعي بحساسية تطوُّر ونمو الطفل الروحي والعاطفي والجسدي والذهني، لنقوم بتدريس وتقديم الأمور الجنسية بشكل عفوي وأيضًا بشكل مُنظَّم ومُرتَّب. ولا بد من زرع الوصايا المباشرة “لَا تَزْنِ”، وأيضًا المبادئ العامة التي تتفق مع كلمة الله لمواجهة التجارب المختلفة (متى 5: 27-28). فيجب تجنُّب الزنا الفعلي طبقًا للوصايا، ويجب تجنُّب المواقع الإباحية أو أي شكل من السلوكيات الجنسية التي تعتمِد على الشهوة.
وعندما يصل الطفل لمرحلة أكبر في البلوغ، يمكن تعليمه أن الجنس جذَّاب، وأنه من الطبيعي تمامًا – خاصة للمراهقين والبالغين – الرغبة في ممارسته مع شخص من الجنس الآخر. ولكن يوجد وقت وزمان لكل شيء (جامعة 3: 1). وأن الله جعلنا نرغب في تعبيرات صحيَّة تعبِّر عن جنسنا، ولكن سيكون الجنس صحيحًا ومناسبًا عندما يحين الوقت المُناسِب، عند الزواج. فالجنس مُصمَّم للزواج بين الزوج والزوجة فقط. كما يجب في مرحلة البلوغ أن يعرف أن جميع السلوكيات الجنسية هي نوع من المداعبة إلى حدٍّ ما، مما يؤدي إلى فِعل الجماع، بين الزوج وزوجته. ولا ننسى أنه في السنين المبكِّرة يمكن أن نتحدَّث عمَّا هو خطأ وعمَّا هو صواب، من خلال كلمة الله وليس من الآراء والخبرات الشخصية. ومع نضوج الأطفال يمكن تغيير النهج والبدء في تعليمهم كيفية التفكير.
ولا بد من تشجيع الأولاد أن يكونوا مثل المسيح لعروسه المستقبلية، وهذا يظهر في العناية والمحبَّة المضحية النقية، لا يكون مركزها الذات ولا تكون مسيئة أو مُهينة. ولهذا يجب إكرام واحترام كل بنت يعرفونها ويتواصلون معها قبل الزواج. كما يجب تشجيع البنات وتعليمهم أن يكونوا كالكنيسة لعريسها المستقبلي، وهذا يظهر في الحفاظ على الطهارة والاستعداد الجيِّد ليوم الاتحاد بالعريس. فلا يكون مثلًا هناك ارتداء لملابِس مُثيرة لا تعكِس ذلك التوجُّه التقي. تعمل قصة الحب بين الكنيسة والمسيح على مساعدة الأبناء على احترام والحفاظ على الحياة الجنسية، لهم وللآخرين.
قد نتطرَّق للرسائل المتعلِّقة بالثقافة المعاصرة والحيطة عن الجنس، مثل المُلصقات الخليعة في المراكز التجارية (في بعض البلاد)، أو في الأغاني الحسيَّة التي يتم سماعها في المطاعِم. ويمكن أن نستغل تلك اللحظات للتأكيد على أن الجنس صالِح لأنه من تصميم الله، والتعليق على ما هو خطأ ومغلوط ومشوَّه ومُنحرِف عن الجنس في الثقافة، بطريقة إيجابية وعلاقاتية، ونحن نؤكِّد لهم عن محبة الله لهم وعن احتياجنا لأن نُظهِر محبتنا له من خلال الطاعة.
أربعة مبادئ هامة في الحديث مع الأطفال
1- تكلَّم بشكل إيجابي عن تصميم الله للجنس، وأنه شيء صالِح ومُمتِع للزوجين، وأنه جزء من تكويننا الإنساني.
2- تكلَّم في أوقات كثيرة، ولا تتكلَّم مرة واحدة. لأن الأطفال لديهم أسئلة وأفكار وموضوعات جديدة كل يوم، فتحدَّث معهم بنشاط.
3- تكلَّم بانفتاح وحرية. فلا يوجد موضوع خارج الحدود أو صعب جدًا أو مُحرِج جدًا في الحديث عنه. وهذا يجعلهم أكثر راحة وانفتاحًا وقبولًا للاستماع لما تقوله لهم بعد ذلك. يُفضَّل أن تسأل عن أحاديثهم مع الأصدقاء، واعتقاداتهم بما يسمعونه وعما يشاهدونه في أي فيلم أو أغنية من أفكار. وأعطِ لهم الحرية للمشاركة بآرائهم، لتكون وسيلة لفهم أفكارهم والحديث معهم والصلاة لأجلهم.
4- تكلَّم الآن، بدون تجاهل أو تأجيل. وطبقًا لنموِّهم وتطوُّرهم، مع احترام خصوصيتهم. ولا تنسى الحديث بوضوح عن كيف يُفسِد العالم الجنس، مع التأكيد على أن خالِق ومُصمِّم الجنس وحده يعرِف كيف يعمل هذا الأمر بشكل أفضل. ولا تنسى الحديث عن التداعيات المؤلِمة الصعبة التي قد يمُر بها أحد إذا صدَّق وعود العالم الوهمية الفاسِدة، حتى لو كانت هناك لذَّة ومتعة وقتية.
وفي النهاية لا ننسى احتياجنا للتعلُّم عن نمو وتطوُّر الطفل حتى تكون جهودنا في تزامُن وتوافُق مع تصميم الله للإنسان.
د. صموئيل فكري
طبيب نفسي ومُشير كتابي