كيف نساعد شخصًا ما يُعاني من مشكلة إدمان المخدرات؟ أو ربما ليس إدمان المخدرات، بل المواد الإباحية أو الجنس أو ألعاب الفيديو. كلها تشترك في كونها استعباد وخطايا مُسيطِرة على الحياة.
التشخيص الحقيقي
يجب على المؤمنين أن يميِّزوا بين المشاكل الأخلاقية التي نُسَمِّيها خطايا، والمشاكل الجسدية التي نُسَمِّيها أمراض. الأمراض هي مشاكل في باثولوجيا الجسد، ولا ترتبط بالضرورة بالضعفات الأخلاقية الشخصية. ومن الناحية الأخرى، يفهم المؤمنون أن المشاكل الأخلاقية هي خطيئة، ويرجع ذلك إلى التمرُّد القائم بين الله والإنسان الذي نُحاسَب عليه دائمًا نحن الخطاة. ويُعتبَر الإدمان مشكلة الأخلاقية كما في بعض الأمثلة الكتابية الآتية: يُفهَم أن السُكْر فجور، ويتعارض مع حياة الشخص المُمتلئ بالروح القدس (أفسس 5: 18). كما يُمنع الشماس، في مؤهلاته الأخلاقية، من إدمان الخمر (1 تيموثاوس 3: 8). كما أن إدمان الطعام بنَهَم يُعتبَر وثنية (فيلبي 3: 19؛ 2 بطرس 2: 19). وعندما نتَّفق مع الله على أن الإدمان خطيئة، يمكننا أن نبدأ في توجيه المُدمنين إلى المساعدة والرجاء من خلال يسوع المسيح وحده، الذي يستطيع أن يغفر خطايانا ويساعدنا في عملية تغيير قلوبنا. ويستطيع الرب أن يُغيِّر أي شخص فلا يشتهي أو يرغب في المخدرات بعد ذلك. وهذا هو التقديس الكامل. ولا يمكن أن يحدث ذلك سوى بعمل الإنجيل في حياة الإنسان.
أثبتت بعض الدراسات أن القوة الدافعة الحقيقية في التعاطي ليست في الاعتماد الكيميائي على تلك المواد المُخدِرة. ووُجِد من خلال الدراسات أن مُتعاطي المخدرات يمكنه التخلِّي على الأمفيتامين ومواد أخرى إذا كان هناك عرض لبديل له مكافأة أعلى.
مفاهيم مختلفة
هناك العديد من الكلمات الكتابية التي يجب استخدامها عند تقديم الرعاية الروحية لشخص مُدمِن. لا يجب أن نستخدم كلمة “مرض”، بل نُشير إلى عادات الجسد الخاطئة. وبدلًا من كلمة “التعافي”، التي تعني العودة إلى الحالة الأصلية، نستخدم كلمة التحوُّل أو التغيير الكتابية إلى التشبُّه بالمسيح والخليقة الجديدة. و”العلاج” كلمة طبيَّة أخرى تبدو علمية في ظاهرها، ولكن غالبية تلك البرامج للأسف تستخدم نفس طرق المشورة التي تم استخدامها بلا جدوى لسنوات، ولا تُبنى على بحث علمي وطبِّي، بل على بحث اجتماعي ضعيف قائِم على بعض الأدلة الضعيفة الغير موضوعية والغير واقعية. وبحسب المشورة الكتابية، نتفق على أن الرغبات والتفكير داخل قلب المُدمن يجب أن تتغيَّر قبل تغيير السلوكيات. ونُشدِّد على المشورة التي تجلب الاقتناع بأنه توجد قضايا خاطئة أو سلوكيات شريرة سببها الخطيَّة، والتعزية في القضايا الأليمة، والرجاء في المسيح. ويُفضَّل استخدام مصطلحات تركِّز على عبادة الأوثان بدلًا من “الإدمان”، لأن عبادة الأوثان تشير إلى مشكلات القلب الحقيقية، بينما “الإدمان” يُشير إلى مرض طبي هاجَم الشخص بطريقةٍ ما.
المساعدة والتدخُّلات
يعني التدخُّل حرفيًا أن نأتي بين طرفين متنازعين للوساطة. وهذا هو عمل المُصالحة، وهي فرصة لصُنع السلام، وتُعرَّف بأنها دعوة لإحضار الله في المشهد أو الموقف. وهي دعوة للتوبة والإيمان بالمسيح لغرض تمجيد الله بالسماح له بمنح النعمة والسلام لحياة هذا الإنسان. وعادةً ما تكون الخطوة التالية هي الحصول على بعض المساعدة بالإقامة المُكثَّفة مع هذا المُدمن، وهي فرصة للتداخل أكثر في الموقف ومواجهة المدمن بلطف ومحبة، فهو شخص يحتاج إلى المساعدة وقد حان الوقت الآن لفعل شيء ما، ولمساعدة الأسرة المُعذَّبة والمُدمِن على السير والمُضي قدمًا معًا في هذه العملية. وكلما كانت المجموعة أصغر كلما كان ذلك أفضل (4-5 أفراد). وقد تشمَل تلك المجموعة الوالدين أو أحدهم، أو أكبر بانضمام الشقيق أو الجدَّة. ويجلس هؤلاء في غرفته، ويخبرونه عن محبتهم واهتمامهم به وأنهم يريدون رؤيته يتغيَّر. وقد يحتاج هؤلاء للمشورة لفهم كيفية التعامل والتفاعل مع المدمن بشكل أفضل قبل التدخُّل، مع القليل من العمل والصلاة وإعداد القلب.
وبعد مواجهة المُدمِن، يمكن إشراك شخص أو اثنين آخرين لمحاولة إحداث تغيير إيجابي في المدمن. يمكن أن يلتقي القس أو الراعي بهم، ويحاول بناء الوحدة وتوضيح الأهداف الكتابية حول تمجيد الله، ويضع القواعد الأساسية، ثم يبتكر خطَّة عملية للتوبة. قد تكون هذه العملية بالمنزل إذا كان جذابًا ودافئًا، أو خارج المنزل إذا كانوا لا يأخذون الأمر على محمل الجد، ولكن يُفضِّل الكثير من المدمنين التخطيط لوقت ومكان مُجدوَل ومُرتَّب ليأتي فيه المدمن.
دور الأهل والوالدين
كآباء مُحِبِّين، علينا أن نفعل ما بوسعنا لتقديم المساعدة. ومن السهل أن نُصاب بالإحباط والغضب لما يحدُث منهم. وغالبًا ما تكون توقعاتنا لأطفالنا عالية جدًا، فمن المفيد تخفيض التوقعات وزيادة المحبة، مع وجود الحذر نتيجة لسلوكياتهم المتلاعبة التي تدعونا أحيانًا للاستسلام لمطالبهم. علينا أن نتذكَّر عجزنا على تغيير قلوبهم، وأن الروح القدس وحده يستطيع عمل ذلك فيهم من خلال قوة كلمة الله (1 كورنثوس 6: 11). يجب أن نصلِّي لأجلهم باجتهاد، فإذا كان مؤمنًا نصلِّي ونطلب أن يتوب ويسير في درب الرب وطاعته، وإذا كان غير مؤمن، فنطلب ونصلِّي لأجل خلاصه مجتهدين بالكرازة بالإنجيل.
وبحسب الخبرة الشخصية، لا يستيقظ المدمن في صباح يومٍ ما ويقرِّر التوقُّف عن التعاطي. ويعلِّمنا الكتاب بأننا نفعل الشر الذي لا نريد بدلًا من الخير الذي نريده (رومية 7)، والخطية هي السبب في الاستمرارية في ذلك. ويجب أن نخبرهم بذلك، ونكون على استعداد لمواجهتهم، وللأسف قد يستغرق الأمر حدثًا مُدمِّرًا في حياتهم حتى يدركوا حاجتهم إلى التغيير.
الوقاية في الطفولة
علينا مراعاة تلك النقاط للوقاية في الطفولة من الإدمان: كل طفل مسؤول عن اختياراته، والآباء مسؤولون عن أفعالهم كآباء. كما أنه توجد طرق يمكن للوالدين من خلالها تغيير أو تعزيز ما يفعله كل طفل بغض النظر عن عمره. ومن الضروري أن يتعلَّم الوالدين المبادئ الكتابية للتربية من أجل غرس فكر المسيح في الأطفال، فيكون الطفل مستعدًّا لقول “لا” عندما تأتي التجربة والإغراء. كما أنه توجَد خمس عقليات للمُدمِن منتشرة، ولا بُد من مواجهتها بغرس فكر المسيح، وهي: عقلية الحرية والاستحقاق، عقلية المُستهلِك، عقلية الضحية، عقلية الهروب، عقلية التمرُّد.
الدور الطبي
لا يُعاني المدمنون فقط من مشاكل التخلُّص من السموم، ولكن سيكون لديهم أوجاع وآلام أخرى أهملوها لأشهر أو سنوات، وتحتاج إلى اهتمام طبِّي من متخصِّصين. لذلك يمكن إحالتهم للأطباء على الفور ومتابعتهم للتأكد من تتبُّعهم للمشورة الطبية. لذا لا بد من متابعة تحسُّن الصحة الجسدية وتجنُّب الإهمال الجسدي، وخلق عادات جديدة للنوم والتمارين الرياضية وتناول الطعام الصحي والتدريبات الجسدية الأخرى التي تمجِّد الله أيضًا، لأننا لسنا أرواح فقط ولأن أجسادنا هيكل للروح القدس ولأننا لسنا لأنفسنا.
دور مراكز التأهيل
تركِّز تلك الأماكن على الآثار الفسيولوجية للمخدرات والعقاقير على جسم الإنسان. وهذه الأماكن تشمل المستشفيات ومراكز التخلُّص من السموم أو مزيج من الرعاية الداخلية. وهي تركِّز على الشغف والتوق وليس على الشهوة والرغبة القلبية. وهي تخاطب الإنسان الخارجي فقط وردود أفعاله على المواد الكيميائية الغريبة التي تدخل جسمه. وتخبرنا رسالة يعقوب 1: 13-15 بأن الرغبة تبدأ من مركز رغباتنا الضالة. ولا تكمن المشكلة الأكبر في الإدمان في التداعيات الفسيولوجية للتعاطي، على الرغم من تأثيراتها الكبيرة، ولكن المشكلة الأكبر في قلب الإنسان (مركز الرغبات) الذي يرغب في التعاطي أكثر مما يرغب في إرضاء وتمجيد الله (2 كورنثوس 5: 9).
مشكلة أماكن التأهيل الدنيوية
بدأ برنامج AA (زمالة المدمنين المجهولين) في الثلاثينات من قِبَل اثنين مسيحيين، د. بوب، وبيل ويلسون. وقام هؤلاء بتخفيف بعض التعاليم الكتابية والحق الكتابي لجعلها أكثر جاذبية للآخرين. وقاموا بتناول 12 خطوة علاجية، أولها أن تعترف بأنك مدمن أو بأن لديك مشكلة، ولكن هذا يختلف مع مفهوم الاعتراف الكتابي الذي يجب علينا القيام به، بالاعتراف لله القدوس الذي أخطأنا بحقِّه وبأننا بحاجة إلى غفران المسيح وإلى تغيير القلب بعمل الروح القدس. ويقودك أن تختار القوة العُليا المُناسبة لك، وهذا في رأيي عبادة الأوثان، لأننا نعلم أن هناك إلهًا واحدًا حقيقيًا. كما يظهر على هؤلاء طابع التمييز والتصنيف بينهم وبين المتدينين، وهذه فريسيَّة حقيقية. ولذلك الكلمات التي يختارونها والخطوات تقود الناس بعيدًا عن المسيح إلى حلول طبية ودنيوية. والأفضل القيام بتدريس الكتاب المقدس وتعليم الكلمة والتعليم عن الخطية وعبادة الأوثان ومشكلة القلب، وتناول هذه الأمور مع هؤلاء الأشخاص المدمنين بدلًا من استخدام البرامج الدمجية التي تربك الناس وتقودهم إلى طريق غير صحيح.
يتحدَّث الكتاب المقدس عن خطايانا، وحاجتنا للمسيح، وعملية التحوُّل والتغيير التدريجية، للتشبُّه بالمسيح. وقد تغيَّرنا في التبرير، ونتغيَّر الآن في التقديس، وسوف نتغيَّر في المستقبل في التمجيد. ولكن في برنامج AA (12 خطوة)، لن تسمع شيئًا عن يسوع المسيح، أو عن الاعتراف بالخطية. فحتى لو اعترفت بأنك مخطئ لكنك لا تعترف بالخطية. كما يجعلك هذا البرنامج أن تختار إلهًا من اختيارك ومن فهمك. وقد يكون الله الذي تختاره هو أنت (الذات)! والجدير بالذكر أيضًا أن هذا البرنامج التأهيلي لا يهدِف إلى مجد الله أو التشبُّه بالمسيح.
على الرغم من وجود وقت ومكان لإعادة التأهيل حيث يمكننا تحقيق الاستقرار والتخلُّص من السموم، وهي أشياء حكيمة يجب القيام بها، لكنها هذه الخطوات لا تُخاطِب القلب. فلا تساعد هذه الأماكن على رؤية إنجيل المسيح، وكيفية تأثير العلاقة معه على التغيير والنمو كخطوة أولى. وحتى لو وُجدت هناك بعض المهارات وبعض الأشياء العملية التي يتم تقديمها، لكن لا توجَد خطَّة متينة لمواجهة التجربة والإغراء. فنحن كمؤمنين ما زلنا نتعرَّض للتجربة والخداع، وكل من يخرج من هذه المشكلة قد يتعرَّض للإغراء والإغواء مرَّة أُخرى. ويوجد شيء آخر لا يحدث في العلاج الداخلي التأهيلي، وهو الحديث عن التوبة الكتابية، وهي المُحرِّك للتغيير في الحياة المسيحية.
المُساعدة الروحية
وعلينا كأخوة في المسيح مساعدة هؤلاء على الاستعداد للتجربة والإغواء بالإنجيل الذي يقودهم للتوبة، وبنصوص الكتاب المقدس. كما أنه علينا بمساعدتهم على التخطيط للإغراء والإغواء لأنهم سيكونون عرضة لهذا. ويجب مساعدة هؤلاء للنمو في مسيرتهم مع الله، وفي التدريبات الروحية، وفي المواظبة على كنيسة محلية، وفي ممارسة كل ما يوصينا الكتاب المقدس أن نفعله ونسعى لتحقيقه من أجل النمو الروحي. نحن جميعًا بحاجة إلى حفظ كلمة الله، وهذا ضروري لمواجهة التجارب (مزمور 119: 9-11)، ونتعلَّم ذلك من خلال تجربة يسوع المسيح في متى 4. إن الاستراتيجيَّة الأولى لمساعدة المُدمن هي مساعدته على النمو إلى الدرجة التي يطلب فيها الرب من كل قلبه. وعندما يحدث الفشل أو السقوط، علينا بالتفكير في نصوص مزمور 32 و51، التي تخبرنا بشكل ملخَّص عن كيفية التوبة التقويَّة التي تقودنا للتغيير. فلا نبقى بعد في أماكننا عند التعرُّض لإغراء أمام شاشة الكمبيوتر أو من الأصدقاء أو من المخدرات، بل نقوم بالفرار والمغادرة والانتقال والهروب بعيدًا عن تلك الإغراءات، وهذا ما يخبرنا به الكتاب في مواضِع عديدة. فيوسف هرب وركض، وعلينا أن نهرب من الشهوات الشبابية، كما يجب أن نستعِد للإغراء قبل التعرُّض له.
دور الكنيسة
تساهم المجموعات الكنسية لمساعدة هؤلاء في أمرين على الأقل: السماح لهم برؤية خطيَّتهم بشكل أوضح، والتشجيع على إدراك أنهم ليسوا وحدهم. وهي أفضل من المشورة الفردية نظرًا لتأثير المشاركة الإيجابية في مجتمع صحِّي، وهذا يُزيد احتمالية التغيير. فقد يشعر في المشورة الفردية بأنه وحده، ويعجز على محاربة هذه الإغراءات بمفرده. وساعدت المشاركة مع إخوة آخرين من الكنيسة في الاستماع للمناشدات والمواجهات والمساءلة من زاوية مختلفة من خلال القصص المُثارة. والاعتراف يؤثِّر في المُعترِف وفي الذي يسمعون تلك الاعترافات (يعقوب 5: 16). وتساعد الكنيسة أيضًا بالتلمذة المكثَّفة ومجموعات المساندة الأسبوعية، بالتعليم عن الحقائق الكتابية الأساسية وتعزيز الاعتراف الصحِّي والإشراف على المساءلة الأسبوعية.
دور المُشير الكتابي
لهذا يدعو المشير الكتابي المُدمن إلى طاعة الله وعمله في حياته (فيلبي 2: 12-13). وهذا يعني ويشمل أن يكون جزءًا من الكنيسة المحلية (العبرانيين 10: 24-25)، ويقرأ ويتأمل في الكتاب المقدس (المزمور 1)، ويستخدم مواهبه لخدمة الآخرين (1 كورنثوس 12: 18)، ويعتبر نفسه ميِّتًا عن الخطية (رومية 6: 11). وعندما يقوم بهذا، يعمل الله فيه لتغيير شهواته بالفعل، وليس فقط شغفه على هذه المواد (فيلبي 2: 13؛ مزمور 37: 4). لذا يحدث التغيير الحقيقي عندما لا يعد الشخص يرغب ويشتهي المخدرات، وهذا أكثر من التوق والشغف عليها. ويستلزم ذلك عمل الروح القدس للتجديد من خلال طاعة الشخص للرب.
هناك شيئان ينتجان عن تعاطي المخدرات للإنسان: تنمية الشغف والتوق الجسدي لها، وتنمية الرغبات والشهوات القلبية. إن الممارسات المتكرِّرة التي تشارك فيها تشكِّل رغباتك وأيضًا شغفك الشديد. كما أن خطر العودة مرة أخرى إلى التعاطي، لا يكمُن فقط في إهانة الرب، بل يعطي أيضًا الأكسجين للرغبات شبه الميِّتة للمخدرات. وهذا يزرع الرغبة الشديدة والتوق على حدٍ سواء.
ويدعونا الكتاب المقدس لإدارة أجسادنا وتدريبها وإنكارها وتكريسها للرب، فنستخدمها لمجد الله، من خلال التغيير والتحوُّل الداخلي الحقيقي.
د. صموئيل فكري
طبيب نفسي ومشير كتابي