بقلم السيِّد، جِريج فيلان
لقد أعطاني الله أبنين، عمر الأول 11 عام والآخر 14 عام، أُحبّ أن يكون لديهم فهم قويّ للاقتصادِ وكذا قلب يُحبّ الرب. هل يمكنك أن توصي بنهجٍ ما لتعليم الاقتصاد للأطفال بطريقة ذكيَّة تُشرِّف الله؟
ينقسم الاقتصاد إلى أمرين بسيطين، ولهذا يُمكن حتّى للأطفال أن يَستوعِبوه.
أولاً، يبدأ الاقتصاد بالتسليم بندرة الأشياء ومحدوديتها الجغرافيّة. فمثلاً نحن نمتلك 24 ساعة فقط في اليوم، لننام ونعمل ونلعب فيهم. أجسامنا لها حدود فيما يمكنها أن تفعله، وما يمكنها أن تأخذه، وكيف تستجيب لما نضعه فيها. وكذا الحدود تُقيِّد ما يمكننا القيام به.
ثانيًا، تلك الحدود والقيود تعني أنه لا يمكنك الحصول على كل شيء. إذا كان لديك 30 جنيه لإنفاقها في مطعمٍ، فيمكنك الحصول على سلطة أو برجر أو سندويتش، لكن لا يمكنك الحصول عليهما جميعًا. وكذا قضاء ساعة في القيام بأمرٍ ما يعني أيضًا عدم قضاء ساعة للقيام بأمرٍ آخر. واختيار شيءٍ يعني عدم اختيار شيءٍ آخر. وهكذا.
كلاً مِنَّا لديه مُفضَّلات، ففي بعض الأحيان لا يوجد مكان للحلِّ الوسط. لذلك فالحوافز والدوافع مُهِمَّة.
المُفضَّلات والحوافز
نظرًا لوجود كمية محدودة من الأشياء، لا يمكن للناس الحصول على أكثر مما هو موجود. فإذَا أحَضَرَ خبَّاز 10 أرغِفَة إلى السوق، فلن يتمكَّن الناس من شراء 12 رغيف.
هذا هو أساس العرض والطلب. إذا كان هناك إنتاج أكثر مما يريده الناس -أو إذا لم يكن هناك ما يكفي- فيجب أن تتغيَّر الحوافز. وبلُغة السوق الاقتصادي، هذا يعني أن السعر يتكيَّف ويتغيَّر بناءً على العرضِ والطلب. حيث تَدْفَع الأسعار المرتفعة الخبَّاز إلى جلب المزيد من الأرغفة إلى السوق، ولكنها تبعد المشترين أيضًا عن الشراء بوفرة.
نظرًا لتقلُّب وتأرجُح العرض والطلب، نُقرِّر ما يجب فعله بناءً على المُفضَّلات والحوافز التي نواجهها. الحوافز هي التكاليف أو الفوائد المترتبة على فعل شيءٍ على حساب شيءٍ آخر -قد يعني هذا السعر الحرفيّ، أو قد يعني مدى سهولة أو صعوبة الحصول عليه أو مدى الرغبة فيه.
غالبًا ما يتغيَّر السلوك لأن الحوافز تتغيَّر. مثلاً، نقضي أنا وزوجتي وقتًا أقلّ الآن في الخدمة الخاصة بالطلبة مما كنا نقضيه قبل عامين، حيث أصبح لدينا الآن طِفلًا ثالثًا، وهذا يعني أن وقتنا المتاح أصبح أقلّ. ناهيكم عن مجيء “وباء الكورونا” فبسببه أصبح من الصعب جدًا الالتقاء بأي شخص. فما نُقدِّره ونحبّه لم يتغيَّر، لكن حوافزنا تغيَّرت.
إنَّ فِهْم القيود والحدود هو علامة على النُضجِ، ولأنَّ الأطفال غير ناضجين، يعد تعليمهم أمرٌ صعب وحيوي للغاية. لكن هذا ليس كل ما يحتاجون إلى معرفته.
الحدود في ملكوت الله
خَلَقَ الله عَالمًا لهُ حدود. وكذا نحن كائنات محدودة، وهناك قيود حقيقيّة في كوننا بشرًا على هذه الأرض. لكننا نُدرك أن الله لا يخضع للقيود، مما يعني شيئين:
أولاً، الله لا يتصرَّف بالطريقة التي نتصرَّف بها. حيث يمكننا “إهدار الوقت” فقط لأن لدينا كميّة محدودة منه. لكن إذا كان لديكَ كميّة لا نهائيّة من شيءٍ ما “وتُهدِر” سبع وحدات منها، أو سبعة ملايين وحدة منها، فلا يزال لديك كميّة لا نهائيّة. يُمكن لله أن يصبر بطرقٍ لا نستطيعها نحن. فالله ليس خاضعًا للحدود، لذا لا ينبغي أن نتوقَّع منه أن يُكافئ الجدارة التي نفهمها، أو “يتفاعل معّ الحوافز” التي نتصوّرها. طُرقه مختلفة عن طرقنا وأعلى منها.
ثانيًا، نظرًا لعدم وجود محدوديّة في ملكوت الله، يمكن لله أن يطلب مِنَّا القيام بأشياء لا معنى لها في عالمٍ محدود. لدى الله طريقة ليُعطي القوَّة عندما لا توجد، ولديه طريقه يجعل بها محبّته تفيض عندما نكون في الخارج، ولديه طريقه يَدْعُو بها الأَشْيَاءَ غَيْرَ الْمَوْجُودَةِ كَأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ. لذا عندما يخبرنا الله أن نفعل شيئًا ما يتعارض معَّ عقليتنا المحدودة، فذلك لأنَّه قادر على توفير ما لا نمتلكه نحن. لأنَّ اقتصاد الله يحتوي على أكثر مما نتصوره في هذا العالم.
إنَّ فِهْم الاقتصاد البشريّ يُمكنه أن يساعدني على تَوقُّع بعض الأمور، فمثلاً، عندما تنفذ لديّ الطاقة أو الوقت، فمن الُمرجَّح أن أفقد أعصابي. لكن فِهْم اقتصاد الله الكريم يعني أنني لستُ فقط مغفور الخطايا، ولكن يعني أيضًا أنه يمكنني أنْ أطلب معونة روحه القدوس عندما أشعر بالانتهاء حتّى لا أفقد أعصابي في المرَّة القادمة.
من المهم لأطفالك أنْ يفهموا أنْ قرارات الناس يجب أنْ تتوافق معّ ما هو مُتاح. يُمكنهم فقط إنفاق أو توفير المال الذي لديهم، لا يُمكنهم فعل الأمرين معًّا. يمكنهم فقط القيام بالعديد من الأنشطة قبل حاجتهم لأخذ راحة. يُمكنهم اللعب ببعض الدُمى أثناء الليل ولكن لوقتٍ محدود.
من يحصل على ماذا؟ وما الذي يجب عليهم فعله للحصول عليه؟ ليس هو تحديدًا ما يجب أن يحدث. أي إذا كان لدى أحد القدرة على الحصول على شيءٍ ما لكن بشكل غير مُنصِف أو غير أخلاقي، إذًا لا ينبغي الحصول عليه. مثلاً، في مُسابقة عائليّة قد يكون باستطاعة ابنك الأكبر أن يفوز على أخيه الأصغر حتّى آخر كعكة بسكويت، لكن هذا لا يعني إنه يجب أن يلتهم كل الكعك دون مشاركة أخيه. قد ترغب ابنتك في حضور العديد من حفلات أعياد الميلاد في نفس الوقت، لكن هذا لا يعني أنه يجب عليك الركض معها طوال يوم السبت. وبالمثل، فإن اقتصاديات “من يحصل على ماذا؟” تختلف عن الأخلاق في الحصول عليه.
مع العلم، بأن فِهْمنا لهذا الأمر سيساعدنا على تحديد وتعديل خياراتنا لتتوافق معَّ اقتصاد وتدبير الله العظيم، وسيساعدنا على التطلُّعِ إلى سماءٍ وأرضٍ جديدة مليئة بالوفرة والخيرات.