بقلم السيِّدة، بِرتاني آلِنْ
في إحدى ليالي الصيف الباردة، كنت في غرفتي معَّ أصدقائي من المدرسة الإعدادية، نضحك سويًا ونلعب بمَخدَّات الفراش، ونحن في حالة من النُعاس الكامل مُستعدين للنوم. متوقّعة أنني سأقضي تلك الليلة بسلامٍ كأي طفل عادي، حتّى غُلِقَ باب الغرفة بعنفٍ. حينها قُلتُ لذاتي: “أووه، ليس الليلة! ليس وأصدقائي معِّي هُنا في المنزل“.
ثم أبْتُدِأ الصُراخ في وجهي. وكما كان الحال دائمًا، تحوَّل الصُراخ إلى صراخٍ شديد، وتحوَّل الصراخ الشديد إلى ضَربٍ ولَكمٍ عنيف، وخيَّم الخوف على جسدي.
لقد نشأت في منزل مليء بالمخدرات والإيذاء بكل أنواعه. أنا الآن في الثلاثينيات من عمريّ، ومن الصعب عليّ تَذكُّر تفاصيل هذه المعركة تحديدًا، لأنَّها كانت واحدة من العديد. لكن ما أتذكَّره بوضوح هو ضغط الهواء البارد على دموعي الساخنة المُتساقطة على خدي عندما هربت أنا وأصدقائي من منزلي.
حقًا لقد بَكَيتُ لأجل طفولتي، بَكَيتُ خوفًا على فُقدان أمّي، خوفًا على فُقدان البراءة التي رأيتها في عيون أصدقائي.
في تلك الليلة أخذنا جيرننا. لم تكن هذه هي المرَّة الأولى التي يفتحون فيها منزلهم لنا، ولن تكون الأخيرة. لا أتذكر أسمائهم، فمن هول الصدمة يُصبِح الذهن ضبابيًا. لكنني أتذكَّر شيءً واحدًا فقط باقٍ في ذهني إلى الآني: “لقد تَحدَّثوا عن يسوع دائمًا”.
كل واحد يعرف شخصًا ما
ينتشر وباء العائلات الُمتضرِّرة من تعاطي المخدرات والكحول. حيث أشارت “إدارة خدمات إساءة استخدام العقاقير والصحَّة العقليّة” (SAMHSA) إلى أنه في عام 2017، قد صارع ما يقرب من 38 % من البالغين “اضطراب تعاطي المخدرات غير المشروعة”. ووفقًا لتقرير آخر لنفس المُنظَّمة، يعيش حوالي طفل من كل عشرة أطفال في أسرة يكون فيها أحد الوالدين على الأقلّ لديه اضطراب بسبب تناول الكحول، وطفل من كل 35 طفل لدى أحد والديه اضطراب بسبب تعاطي المخدرات. تعتقد (SAMHSA) أنَّ هذه الأرقام تتزايد مُنتظمة باستمرار.
من المحتمل أن يكون صديقك، أو أحد أفراد أسرتك، أو جارك يُحارب الإدمان. كمسيحيين، يُمكننا الاقتداء بالله في اهتمامه بالضعفاء الُمعرَّضين للهجوم، من خلال المساعدة في رعاية أطفال المدمنين. وعلى الرغم من أنَّ كل عائلة ساقطة في فخ الإدمان ستواجه مشاكل فريدة من نوعها، إلاّ أن المؤمنين يمكنهم أن يثقوا في الله ليعطيهم التمييز والنعمة التي يحتاجونها في كلّ موقف على حدة.
لقد تساءلت كيف يمكنني مساعدة الأطفال الذين يعانون مثلما كنتُ أُعاني؟ إنَّ نشر الوعيّ هو نقطة جيِّدة لنبدأ بيها، وفيما يلي سأقدِّم لكم بعض الخطوات التي سترشدكم لمساعدتهم بشكلٍ واعي:
عليكم توفير الملاذ والمأوى لهم
بشكل مُتزايد، يتم إبعاد العديد من الأطفال من منازلهم بسبب الإيذاء الناتج من تعاطي الوالدين للمخدرات أو الكحول. وهؤلاء الأطفال بحاجة إلى الاستقرار. لذا إنَّ إحدى الطرق الهامة التي يُمكن للمسيحيين أن يساعدوا بها، هي توفير ملاذ ومأوى لهؤلاء الأطفال من خلال تَبنِّيهم بشكلٍ كامل أو تَبنِّيهم بشكلٍ مؤقَّت.
ومع ذلك، فإن توفير الملاذ والمأوى ليس منعزلاً عن التبنِّي الكامل أو المؤقَّت. فإن هؤلاء الأطفال مُحاطون بالفوضى والقلق بشكلٍ يوميِّ. لذا يُمكن للمسيحيين أن يخلقوا لهم بيئة آمنة، يُمكن فيها لهؤلاء الأطفال أن يكونوا على سجيَّتهم، يمزحون ويستمتعون، ليكونوا ببساطة أطفالًا بالمعنى المُجرَّد للكلمة. إذا كنت تعرف شخص يُعاني من الإدمان، ففكر في توفير منزل آمن لأطفال هذه الأسرة، إلى حين يتمكن الوالدان من العناية بهم بشكلٍ صحيح. وإذا كنت صديقًا أو جارًا، فابحث عن فُرص تدعو فيها هؤلاء الأطفال إلى منزلك كما فعل جاري معِّي. لأنَّه يمكن أن يكون لساعات قليلة فقط في بيئة آمنة تأثيرًا كبيرًا على حياتهم بأكملها.
عليكم تسديد احتياجاتهم العمليّة
عادتًا يأتي الفقر معَّ الإدمان، فهو يقترن به. لأنَّ المدمنين ينفقون معظم راتبهم لجلب المزيد من المخدرات. من غير الُمرجَّح لهؤلاء الأطفال الذين يُعانون من الإهمال بكلِّ درجاته، أن يكشفوا عن احتياجاتهم لشخصٍ بالغ. لذا دعونا أن نتَّبِع خُطَىَ مُخلِّصنا بفتح أعيننا وقلوبنا لاحتياجات هؤلاء الأطفال. وبناءً على ما تلاحظه، يُمكنك أن تُرسل لهم صندوق يحتوي على الطعام والألعاب الترفيهيّة معَّ أدوات النظافة، أو أن تدعوهم لتناول وجبة مطبوخة في منزلك، أو أن تسألهم عن مقاس ملابسهم وتشتري لهم بعض الأشياء في رحلة التسوُّق التاليّة. من خلالنا، يستطيع الله أن يُظهر لهم أنه يعتني بهم ويوفِّر كل ما يحتاجون إليه.
عليكم الاهتمام بهم
بينما كُنت أبحث وأتطلَّع على الجمهور أثناء مسرحيتي في المدرسة الإعدادية، شعرتُ بخيبة أمل ثقيلة تسقط على قلبي. حيث كان هُناك من بين الوجوه والديّ صديقي، لكن ليس والديَّ.
في تلك الليلة، وفي طريق عودتي إلى المنزل دخلت منزلًا فارغًا وشعرت بالوحدة العميقة لدرجة أنني بكيت هُناك. يفتقر معظم هؤلاء الأطفال في معظم أوقاتهم المحوريّة “لشخصٍ بالغٍ ومستقر”. بالطبع لا يُمكننا أبدًا استبدال والديهم، ولكن ماذا لو قاتلنا لنُظهر لهم أنهم ليسوا وحدهم في هذا العالم؟ ماذا لو قدَّمناهم لأبينا السماويّ الذي يُحبّ أطفاله بإخلاص؟ يمكننا القيام بذلك عن طريق حضورنا معهم لمبارياتهم في كرة القدم، وحفلاتهم الغنائيّة أو مسرحياتهم، وأن نمنحهم جولات، ونخرج معهم لتناول “الآيس كريم”، وندعوهم لتناول العشاء، ونحضرهم معَّنا إلى الكنيسة (بإذن من والديهم).
عليكم أن تكونوا مُحامون ومُدافعون عنهم
يحتاج أطفال المدمنين لمن يقاتل من أجلهم. إنهم بحاجة إلى محامين ومدافعين عنهم. يعني هذا أحيانًا أنه يتعيِّن علينا إشراك السُلطات.
في حالة الإهمال أو إساءة معاملة وإيذاء الأطفال، يجب أن تأتي سلامة الطفل في المقام الأول. أعْلَم أن أخذ الأطفال من والديهم أمرٌ مُفجعٌ يكسر القلب، ولكن هناك أوقات يكون فيها ذلك ضروريًا للغاية.
إنَّ إحدى الطرق التي تُحدث فرق كبير في حياة الطفل، هي أن تصبح مُحاميًا خاصًا مُعيَّن من قِبَل المحكمة الرسميّة (CASA or GAL). يعمل هؤلاء المتطوعون المدربون، جنبًا إلى جنبٍ بشكل قانوني، معَّ المهنيِّين القانونيّين لرعاية الأطفال، لتزويد وإمداد القضاة بالمعلومات الُمتعلِّقة بحالة كلّ طفل، لمساعدتهم على اتخاذ القرارات التي تُحقِّق المصلحة الفُضلى لكلِّ طفلٍ.
طريقة أخرى للمساعدة هي عن طريق التبرُّع أو العمل معَّ منظمات مثل “الجمعيّة الوطنيّة للأطفال المدمنين” (Nacoa).
غالبًا ما يتضمَّن القتال من أجل هؤلاء الأطفال القتال من أجل والديهم أيضًا. أعلم إن هذا عملٌ شاقٌ، لكنه أيضًا “عمل إنجيلي” أي عمل مسيحي مبني على إدراكنا لرسالة الإنجيل “فيما قدَّمه الله لنا من حبٍّ وتضحيَّة وما ينبغي علينا أن نقدِّمه نحن للآخرين”. إن الوقوف بجانب أولئك الساقطون في فخ الإدمان، وتشجيعهم ليحصوا على المساعدة التي يحتاجون إليها لإيجاد الحرّيّة، هو أحد أفضل الطرق التي يمكننا من خلالها أن نُدافع ونُحامي عن أطفالهم. حيث توجد مُنظمات مخصَّصة للمساعدة على التعافي من الإدمان، مثل “مراكز الإدمان الأمريكيّة” أو مراكز الإدمان في بلدك بشكل عام.
وأخيرًا، يُمكننا أن نُصلِّي لأجلهم. فبينما نحن نُصلِّي، نُدافع عن هؤلاء الأطفال عِند أبينا السماويّ. صلّوا من أجل سلامتهم وقلوبهم وخلاصهم، وكذا من أجل والديهم. أيًا كان ما يمكننا القيام به أيضًا، يمكننا دائمًا أن نُصلِّي.
رَجَاءُ الإنجيل
يحتاج الأطفال الذين يواجهون العنف المنزليّ والاعتداء أو الإيذاء إلى “الإنقاذ الجسديّ الحرفيّ”،وكذا يحتاجون أيضًا إلى سماع كيف يمكن “إنقاذهم روحيًّا”. بغض النظر عن الطريقة التي سنساعدهم بها، يجب علينا أن ننتهز كلّ فرصة لنخبر أطفال المدمنين عن الخلاص بالإيمان بالرب يسوع المسيح.
لقد أنقذَّني الله بالرغم من طفولتي الُمحطَّمة، وهكذا يمكنه أن يفعل الشيء نفسه للآخرين مثلي. وقد يرغب أن يفعل ذلك من خلالك، لذا كُن مُستعد.