بقلم السيِّدة، لِيَا جوزيف
لقد قضيت آخر سبعة عشر عامًا في العمل كمدرسة للموسيقى، وكمُرشِدة للمراهقين خصوصًا فيما يتعلَّق بالأزمات التي يمرّون بها. تشمل صراعات طُلّابي جميع مشاكل المراهقين المعتادة (مثل: القلق، والضغوط الاجتماعية، والصراعات مع الوالدين، وأسئلة عن الُهوية والانتماء) والعديد من المشاكل الأكثر جديَّة (مثل: سوء المعاملة أو الاستغلال، وإيذاء النفس، والمرض العقلي، والتنمُّر). لكن أحد الموضوعات الرئيسيَّة الهامة التي إمّا تساعد المراهقين بشكلٍ كبير أو تفعل العكس تمامًا، هو إدراكهم للحبِّ والدعم من والديهم. تُمَثِّل هذه المبادئ الستَّة دروسًا تعلَّمتها في مسيرة حياتي:
1. أحظوا بعلاقة معهم، لكن ليس كعلاقة أفضل صديق لهم “Best Friend“.
لقد خلقنا الله ككائنات علائقيّة، مما يعني، أنه بغض النظر عن طبع أو مزاج أبنائكم، إلاّ إنهم يُريدونكم أن تعرفوهم. حيث يَرغب بشدة جميع الطلاب الذين نصحتهم كمُرشِد، في إقامة علاقة صِحِيَّة وصحيحة مع والديهم. لكن سنوات المراهقة صعبة.
خلال المدرسة الثانويّة، ينتقل الطلاب من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ. في الوقت نفسه، تشتعل الهرمونات هائجة، وتتقلب، ولا تزال “قشرة الفص الجبهي للدماغ” (المسؤولة عن إدارة الوقت، والحكم الجيِّد، والتنظيم، والسيطرة على الدوافع، وتحديد الأهداف، وفهم العواقب طويلة المدى) في طور النمو. بالإضافة إلى ذلك، يُبْحِر كلّ من الوالدين والمراهقين في نفس الوقت، في مياهٍ جديدة وأدوارٍ جديدة.
لذا اضيفوا مبادئ الارشاد الأساسيّة في تربيتكم لأبنائكم خلال سنوات المراهقة. واطرحوا الكثير من الأسئلة، لكن ادرسوا أيضًا لُغة الجسد والمزاج (تذكَّروا الهرمونات الهائجة). واعلموا أنه في بعض الأحيان تكون أُذْنَكم المستمعة لهم ووجودكم بجانهم، هما بالتحديد ما يحتاجه أبنائكم في هذا الوقت، بينما ستجدون في أوقاتٍ أخرى فرصًا للتحدُّث معهم.
ركِّزوا في الأوقات التي يبدو فيها ابنكما المراهق “يتحدَّث كثيرًا”، ولاحظوا الأنماط وكذا أخلقوا مساحة لتلك الأوقات إذا كان ذلك ممكنًا. على سبيل المثال، إذا كان ابنكم يتحدَّث ليلًا أكثر من التحدُّث في طريقه عند وقت العودة للمنزل من المدرسة، فلتجعلوا وقت العودة من المدرسة هو وقت صُنع كعكات رقائق الشوكولاتة اللذيذة التي ستأكلونها معًّا أثناء حديثكم في المساء.
في سنوات المراهقة، يحتاج أبنائكم إليكم أكثر من أي وقت مضى، حتّى لو لم يقولوا ذلك، وكذا سيحتاجونكم أن تكونوا هناك بجوارهم عندما يكونون مستعدِّين للتحدُّث. عندما يفتحون قلوبهم إليكم، تأكَّدوا من الاستماع والمراقبة والانتظار. إنهم لا يريدونكم أن تُعاملوهم كأفضل صديق لهم؛ بل يحتاجون منكم أن تكونوا والديهم.
وهم بحاجة إلى نوعٍ مختلفٍ من الوالدين عما كانوا عليّه عندما كانوا في العاشرة من عمرهم. لذا ابحثوا عن النعمة في حياتهم وابتهجوا بها، وتأكَّدوا من أنكم تُشجعُّون أبنائكم وتُعزِّزونهم أكثر بكثير من مُجرَّد التذمُّر عليهم. باختصار، صلّوا باستمرار للحصول على الحكمة، بشأن الأوقات التي ستسمحون لأبنائكم فيها بالفشل، أو التي ستتركون مشاكلهم دون حل، أو الأوقات التي ستحتاجون أن تواجهونهم فيها، أو التي ستُصلّون فيها بصبرٍ وأنتم تُجهزّونهم ببطء لمغادرة العش، أي لمغادرة حياة الطفولة.
2. عرِّفوهم بأنكم تستمتعون بهم.
نعلم جميعًا التناقض الرهيب بين الواجب والُمتعة. عادتًا يعرف المراهقون في أعماقهم أنكم تُحبّوهم؛ تأكَّدوا من أنهم يعرفون أيضًا أنكم تستمتعون بهم. سواء كنتم ذاهبين إلى متجر البقالة أو تتناولون العشاء، أخبروهم عن مدى استمتاعكم بوجودهم.
إحدى الطرق الأساسية لتحقيق ذلك هي الدخول بشكلٍ كامل في هواياتهم واهتماماتهم ومُتَعَهم. سواء تعلَّق الأمر بالتصوير الفوتوغرافي أو الألعاب أو ركوب الخيل أو صُنع الخبز، كُونوا مفتونين بما يحبّونه. حيث تتطوَّر أفضل العلاقات وتزدَهِر من خلال الأنشطة التي يتمتع بها الطرفان بالتبادل. لذا تعلَّموا واستمتعوا معَّهم. وقد يُفاجئكم ما سينتج عن ذلك من وقت ثمين وروابط قويَّة.
3. تَعرَّفوا على التغيُّرات التكنولوجيّة.
الآباء والأمهات الذين لديهم ذكريات جميلة من المدرسة الثانويّة يُريدون بطبيعة الحال لأبنائهم نفس التجارب الرائعة. لكن ذكرياتكم بخصوص الرياضة، أو الكشافة، أو المواعدة، أو بخصوص ألعاب كرة القدم أقل تشابهًا مع ذكريات أبنائكم مما قد تتخيلوا.
الحقيقة الُمجردَّة هي أن الهواتف الذكية، والبريد الإلكتروني، والإنترنت لم تكن موجودة خلال طفولتكم، وهذه الأمور تُغيِّر الأشياء بشكلٍ جذري. عندما كان يُريد أحد أصدقائي التحدُّث إليَّ، كان عليه أن يتصل بمنزلي على الخط الأرضي. وحينها كان يُمكن لوالديَّ أن يلتقطا الهاتف في أي وقت ويستمعا إلينا. بخلاف التفاعُل في الُمقَابَلات الشخصيَّة والرسائل المكتوبة بخط اليد، حيث كانت هذه هي الطُرق الوحيدة للتفاعل معَّ الأصدقاء الُمقرَّبين.
لكن قد تغيرت الأمور الآن، فقد حَدَث تقدُّم كبير في يومنا هذا، حيث يُمكن للمراهقين التفاعُل على الشاشات في “خصوصيّة غُرَف نومهم ليلًا”، أثناء نوم والديهم. فكِّروا في الكيفيَّة التي غيَّرت بها التكنولوجيا عَالَم ابنكم الُمراهق. حيث يصعُب على الابن أن يتحدَّث إلى الوالدين بخصوص إرسال صور أو رسائل جنسيّة صريحة، وكذا بخصوص رسائل التهديد عبر الإنترنت، إذا لم يكن لدى الوالدين على الأقلّ الفهم الأساسي البسيط لكيفيّة عمل التكنولوجيا. لذا اسعوا لتعلُّم وفهم التكنولوجيا التي يستخدمها أبنائكم وجبال الإغراء العملاقة التي يواجهها أبنائكم وأصدقائهم المُقرَّبين أيضًا.
من ناحية أخرى، يُمكنكم البدء في مساعدتهم على تعلُّم إدارة وقتهم واهتمامهم بشكل صحِّي وصحيح كوكلاء عليه، الأمر الذي قد يُساعدهم كثيرًا خلال وقت الكليّة وما بعدها. سواء بتحديد وقت ليلي مُعيَّن ينبغي على ابنكم فيه أن يتوقَّف عن استخدام الإلكترونيّات، أو عن طريق مُراقبة استخدامه للهاتف من خلال بعض برامج الُمسَاءلة الوقائيّة مثل برنامج “Covenant Eyes” أو بعض البرامج الأخرى، يحتاج المراهقون إلى مساعدتكم لتبحروا بهم وتتغلبوا معهم على التحديّات التي تواجهَهُم بسبب التكنولوجيا، لا سيما في التَّعَفُّفِ أو ضبطِ النفس (تذكَّروا ما ذكرته سلفًا بخصوص “قشرة الفص الجبهي للدماغ” غير الُمطوّرة لديهم).
“تغزو التكنولوجيا عالم ابنكم المراهق عند كلّ منعطف يمر به”. وإزالة أو منع استخدام التكنولوجيا ليس خيارًا طويل المدى. بدلاً من ذلك، تعلَّموها وساعدوا ابنكم المراهق على بناء أساس لاستخدام التكنولوجيا من أجل الخير وليس للشر.
4. توقَّعوا الفشل جنبًا إلى جنبٍ معّ النجاح.
يُريِد المراهقون مَعرِفة أنكم أكبر مُعجب بهم، وكذا يُريدون مَعرِفة أنكم تؤمنون بإمكانيّة وصولهم إلى النجوم. ولكن من المهم بنفس القدر أن تروهم كما هم: كأُناسٍ يعيشون في عالمٍ ساقط، مثلكم تمامًا. وبالتأكيد نحن نأمل أن يتركوا العالم مكانًا أفضل، لكنهم سيتخذون أيضًا بعض القرارات السيِّئة.
دَعوهم يفشلون. توقَّعوا ذلك. تجنبوا عقليّة الآباء والأمهات الذين يُركِّزون بشكلٍ مُفرط على أبنائهم، كالجندي الذي يَنْقض دائمًا لإنقاذ الموقف. لأنّ أي نجاح هو غالبًا نتيجة التعلُّم من أخطاء الماضي.
لا تُبرِّروا الخطيَّة، لكن على الصعيد الآخر لا تتصرَّفوا كأنها صدمتكم. لأنّ أكبر عائق أمام رغبة المراهق في مُشاركة صراعاته معَّ والديه، هو تصرُّف الوالد بعدم الارتياح أو الذعر من تلك الحقائق. ادعُوا أبنائكم المراهقين إلى عالم الصراعات التي تخضونها، وعرِّفوهم لماذا تُريدوهم بشدة أن يتجنبوا الخطيَّة لأنّكم تَعْلَمُون أنها ستقضي عليهم في النهاية. دعوهم يعرفون أنكم تفهمون مدى صعوبة الأمر، وأنكم موجودون كلّ يوم بجوارهم في القتال، عرِّفوهم أنكم في صفهم وليس ضدهم.
5. اهتموا بعمقٍ ببعض الأمور، لكن اهتموا لأجل أشياء أخرى أيضًا.
يحتاج المراهقون أن يعرفوا أن شخصًا ما سيكون هناك من أجلهم، بغض النظر عن السبب، ومهما تكلّف الأمر. فعندما يعلم المراهقون أن والديهم سيخرجون من اجتماعٍ هام في العمل، أو سيلغون ليلة سعيدة مع الأصدقاء لأنّ أبنائهم بحاجة إلى شيء ما، عِندَئِذٍ سيشعر المراهقون بالحب والأمان.
أصبح أبناؤكم المراهقين أكثر استقلاليّة الآن، وهم يعرفون “متى تهتمون بهم بشكلٍ كافٍ”. يمكنهم معرفة ما إذا كان هناك شيء آخر يُغذِّي الإثارة والإبداع والهدف في حياتكم بعيدًا عنهم -مما يُزيد عيوبهم ونواقصهم ويجلب ضغوطًا وهمومًا عليهم.
اكتشفوا المشاعر التي أعطاها لكم الله، واعتنوا بسعادتكم، واطلبوا الرب لمن تخدموهم، ولكن كونوا دائمًا على استعداد بالتخلي عن أي شيء من أجل أبنائكم.
6. ثِقْوا بأن خطةَ اللهُ تفوق أحلامكم.
أعلمُ أنكم تُحبّوا أبنائكم أكثر من أي شيء آخر في العالم، للدرجة التي ستضحون فيها بحياتكم من أجلهم. ومع ذلك، فإن الآباء والأمهات الجيِّدون لا يتساو معّ الأبناء الجيدين. فعلى الرغم من كل ما تُعطوا وتُعلِّموا لأبنائكم، قد يستمرون في دفع كل شيء بعيدًا، بمعنى أنهم قد يسمعون الكلام من أُذْنهم اليُمنى ويخرجونه من أُذْنهم اليسرى. ومع ذلك، واظبوا على المحبّة، والصلاة، والثقة في أن الله يحبّهم أكثر منكم.
كما كان يقول راعي كنيستي السابق: “حيثما توجد الحياة، يوجد أمل”. قد يتخرَّجون من المدرسة الثانويّة وهم محاصرون في الخطيَّةِ، لكن قصتهم لم تنته بعد. كونوا مخلصين لهم عن طريق محبّتهم ورعايتهم اليوم، وثِقْوا بأن الله في نهاية المطاف سيكتب لأبنائكم قصة أفضل مما تتخيلوا.